إن من بين ثمانية مليارات انسان يعيشون اليوم، مليارين منهم سيء التغذية، ومليارين ونصف يعانون من نقص في الأغذية، وخمسمئة مليون بلغوا عتبة مدينة الثراء.
ويخشى أن يزداد التباين بين بلدان الثروة وبلدان البؤس خطورة خلال السنوات القادمة، لأن ثروة الأغنياء تزداد سرعة وبؤس الفقراء يستمر حتى أنه يميل إلى الاشتداد لأن زيادة السكان تفوق أو تميل إلى التفوق على سير التقدم التقني.
إن خطر القطيعة بين البلدان الغنية والفقيرة خطر عظيم، لأن الفرق الاقتصادي في وسائل الإنتاج هو أن الأولى، تكاد لا تشتري شيئاً من البلدان الفقيرة وبالتالي لا تستطيع أن تبيعها شيئاً. أما سياسياً، فالأمم الفقيرة سرعان ما تعزو إلى الاستعمار والامبريالية قوة الغرب.
ومن البدهي أن يزداد الخطر فيما إذا استهوت الشهوة أمة غنية لتتزعم أمماً فقيرة. ومن الآن سوف يظل مصير العالم رهن الأخطاء وعدم التفاهم ونفاد الصبر والأهواء. إن هذه الأخطاء كما عرفناها من التجارب الحديثة هي عادية بالنسبة إلى الشعوب.
يقول جان فوراستيه في كتابة «تاريخ الغد»: وبعد أن نخص ببعض الفقرات الحلول التي تبدو لنا أنها تنتصر في واقع تاريخ الغد وتسبب تراخياً بطيئاً ومستمراً في التوتر الحالي، سوف نكتب أولاً أن البشرية ستشعر شيئاً فشيئاً بخطأ معتقدها القديم وهو أنه لا يوجد تقدم دون صراع طبقي وسوف نرى رويداً رويداً الحقيقة العلمية والإصلاح الأخلاقي.
ثم إن اجتياز الفترة الانتقالية مع القليل الممكن من الأوجاع يتطلب إذاً من جانب البلدان الغنية وكذلك من جانب البلدان الفقيرة تغييراً مستمراً وعميقاً في سلوكها الراهن وفي علاقاتها المتبادلة وكذلك في اقتصادها الداخلي.
أما في علاقاتها مع البلدان الفقيرة فإن البلدان الغنية تلجأ إلى خمسة أنواع من التدابير:
1- مساعدات مادية على شكل هبات تقدم في حال وقوع المجاعات أو القحط الشديد.
2- استثمارات مادية للسلع المنتجة.
3- المساعدة التقنية.
4- المساعدة الفكرية والبشرية، وتتم هذه الأعمال بواسطة الأمم المتحدة وليس مباشرة من أمة إلى أمة.
5- وأخيراً إن الأمم الغنية تبحث بانتظام عن السلع أو الخدمات التي تستطيع الأمم الفقيرة أن تبيعها بسهولة وتمتنع عن إنتاج هذه السلع. وتمتنع على الأخص عن فرض رسوم جمركية عليها.
إن مشاكل البلدان الفقيرة ذات طابع يختلف اختلافاً عميقاً عن مشاكل البلدان الغنية. إن التخطيط عسير بسبب تعقد الحاجات وعدم وجود نموذج تجريبي.
وغير خاف فإن هذه المشاكل القديمة والمشاكل الزائفة تتراجع لتحل محلها مشاكلنا الحقيقية وهي الآتية حسب أوليتها: إن السبب الأساس في التقدم الاجتماعي هو التقدم التقني (إذاً ينبغي إنماء الإنتاجية). وإن تنظيم الزيادة الاقتصادية ضروري ليس فقط للإسراع في هذه الزيادة بل للإقلال من الأوجاع الناشئة عن الأزمات أو إزالتها (ينبغي إذاً استعمال وسائل التنبؤ الاقتصادي وتوجيه السكان العاملين).
إنّ العلوم الإنسانية ما زالت أشد ضرورة من العلوم الطبيعية للتقدم البشري، فمن الضروري إذًا الاحتفاظ بزيادة شروط الازدهار، فعلى هذا القرن أن يكون قرن العلوم الإنسانية، كما كان القرن الماضي عصر العلوم الطبيعية. وعلى العموم، إن الاحتفاظ بكفاءة المبادهة في الإبداع وزيادتها هو مفتاح شرط التقدم البشري.
وهذه الكفاءة ضعيفة جداً في الإنسانية الهرمة ومهددة في بشرية اليوم.
للتواصل : zrommany3@gmail.com
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية