بسم الله الرحمن الرحيم
في يوم الوطن
حوادث المرور و مسار التنمية الوطنية وخططها المستقبلية !!
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
قطع المجتمع السعودي شوطا طويلا في طريقه نحو التحديث من خلال برامج التنمية الطموحة التي أنجزت وتلك التي في طريقها إلى الانجاز.
وإزاء حركة التغيير والتحديث السريعة والمفاجئة التي تعرض لها المجتمع على مدى عقدين محققا خلالها إنجازات، حققتها كثير من المجتمعات الأخرى في قرون، كان لا بد أن يصاحب تيار التحديث دون شك قدر من عوامل الوهن التي تعمل داخل بنيان المدينة الحديثة، ولعل أخطرها ما كان متعلقا بالإنسان نفسه صانع التنمية وهدفها في الوقت ذاته.
ولعل أحد المظاهر المهمة في مسار التنمية الوطنية وخططها المستقبلية الاهتمام ببذل الجهود العلمية والعملية لدراسة الأخطار المصاحبة للتنمية في مجال البعد الإنساني خاصة.
فقد أصبحت مثلا مشكلة حوادث المرور ظاهرة وبائية تفتك بحياة الناس في كل عام وتتسبب في عجز وإصابة الآلاف منهم وتؤدي إلى إهدار اقتصادي كبير في الأموال والأنفس والممتلكات.
في إحصاءات 1405هـ بلغ عدد السيارات المسجلة في المملكة حتى نهاية ذلك العام حوالي 4,144,245 سيارة، أي بمعدل سيارة واحدة لكل شخصين من سكان المملكة, بينما كان هذا العدد في عام 1391هـ حوالي 144,768 سيارة أي أن الزيادة كانت بمعدل 29 ضعفا عما كانت عليه ويعتبر ذلك من أعلى معدلات نمو ملكية السيارات في العالم.
هذا في عام 1405هـ، فكيف بالعدد والمعدل، اليوم 1446هـ إن العدد سيكون مضاعفا بشكل مذهل والمعدل سيكون كبيرا بشكل هائل.
نعود إلى تلك الإحصاءات إذ تشير إلى أن عدد حوادث المرور خلال تلك الفترة 1391هـ 1405هـ بلغ حوالي 254008 حادثا، نتج عنها 187923 إصابة، و31890 حالة وفاة.
وإذا سلطنا الأرقام على عام واحد مثلا 1405هـ فسنجد أن عدد حوادث المرور في تلك السنة بلغت 29052 حادثة مرور أي بمعدل سبع حوادث لكل ألف سيارة، وقد نتج عنها 22630 حالة إصابة بمعدل خمسة مصابين لكل ألف سيارة وحوالي 3276 قتيلا بمعدل وفاة واحدة لكل ألف سيارة، بمعدل عشر وفيات وأربعة وستين إصابة يوميا، ويعتبر هذا من بين أعلى معدلات الحوادث في العالم.
إنها حقا أرقام مزعجة ومعدلات مبكية وإحصاءات خطيرة وحوادث مروعة وإصابات محزنة.
ومن أراد المزيد من تلك الأرقام والإحصاءات والمعدلات فيمكنه الرجوع إلى إحصاءات حكومية موثقة ودراسات علمية رصينة منها ما قام بها د. عبدالله النافع ود. خالد السيف (أعضاء اللجنة الوطنية لسلامة المرور) عن الخصائص السلوكية لقيادة السيارات بالمملكة، المنشورة بإدارة البحث العلمي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ليطلع بشكل أوسع وأشمل على حقيقة الإهدار الاقتصادي والاجتماعي والإنساني والأمني نتيجة حوادث السيارات.
إن من بين عناصر المرور الثلاثة وهي الإنسان والمركبة (السيارة) والطريق، يعتبر الإنسان المسبب الرئيس لتلك الحوادث فقد بلغت النسبة المئوية للعوامل الراجعة للإنسان والتي كانت سببا في حوادث المرور خلال عام واحد ما يقارب 84% أما 16% الباقية فتعود إلى أسباب خاصة بالسيارة أو الطريق.
وتبين الإحصاءات أيضا أن السرعة الزائدة تمثل 55,11% من نسبة حوادث السيارات تليها قطع إشارات المرور البالغة 13,52% يتبعها التجاوز غير النظامي بنسبة 8,12% والدوران والتوقف غير النظامي بنسبة 5,24% أما القيادة تحت تأثير مخدر أو مسكر فبلغت نسبة 0,75% فقط.
ويتضح مما سبق أن السرعة الزائدة تعد أحد أهم أسباب حوادث السيارات, ومن الملاحظ أن كثيرا من أخطاء السائقين أثناء القيادة أصبحت تشكل خطرا وفي الوقت نفسه تمثل أخطاء شائعة انعكست في شكل عادات اجتماعية يتعلمها الأفراد ويقلد بعضهم البعض وأصبحت جزءا من السلوك الفردي.
لقد ظلت بحوث سلامة المرور لعدة عقود من الزمن تدور حول موضوع مهم هو محاولة التعرف على السائق المشكلة وتحديد صفاته.
فمن الملاحظ من إحصاءات المرور أن من الناس من يرتكب عددا كبيرا من حوادث المرور وإذا كان ذلك صحيحا فهل يتميز أفراد هذه الفئة بصفات أو مميزات يشتركون فيها جميعا ويتميزون بها عن غيرهم؟
وبالرغم من صعوبات تحديد ذلك، بيد أن بمقدورنا أن نكون صورة معينة عن أولئك السائقين الذين يقعون في الحوادث أكثر من غيرهم من خلال علامات فارقة وسمات مميزة منها:
(1) السائقون المشكلون لهم سجلات مرورية حافلة بالحوادث والمخالفات المرورية أكثر من غيرهم.
(2) السائقون المشكلون هم في الغالب الأعم أصغر سنا من غيرهم.
(3) السائقون المشكلون يرتكبون مخالفات يعاقب عليها غالبا بسحب رخصة القيادة.
(4) السائقون المشكلون غالبا هم من فئة السائقين المبتدئين إذ الخبرة لديهم ناقصة.
إذن السائق المشكل حسبما تشير العديد من الدراسات هو غالبا قليل الخبرة، صغير السن، ذكر، فقير، أقل تعليما أو غير متعلم ويحوي سجله المروري على أكثر من مخالفة.
وخلاصة القول فإن النمط العام لسلوك قيادة السيارات في المملكة يتسم بالميل إلى المخاطرة وعدم إتباع قواعد السلامة والأمان، وعدم مراعاة النظم والآداب المرورية.
وهذا يستلزم تعديل سلوك الفرد السعودي وتوجيهه بوعي وحكمة للتعامل وفق نظم الأمان وآداب السلامة مع آلة تقنية خطرة كالسيارة إذ تتطلب قواعد معينة للسلامة والأمان كالانضباط الذاتي وحسن التقدير وتفهم النظم والضوابط من اجل سلامة الجميع.
للتواصل : zrommany3@gmail.com