كلنا نعلم بأن الشِعر لدى العرب يعني لهم الكثير من النوافذ في فضاء الله الواسع لتعبير عن مشاعرهم ولسُقيا أحلامهم بالتمني والرجاء ، ليعيشوا لحظات من السعادة والإنشراح والأفراح ، أو لتخفيف من أعباء الحياة القاسية عبر نوافذهم الشِعرية ، ولا يكاد تُقام مناسبة إلا ويكون لشعر حضوة لدى الكبير والصغير وجميع فئات المجتمع ويدخل في كل تفاصيل حياتهم فهناك من الشعر الملحمي والذي يتحدث عن الصولات والجولات ويروي أحداثاً حقيقية واحياناً أساطير من نسج الخيال ويصور لنا الكثير من الشخصيات البارزة في كثير من المجتمعات العربية الأصيلة ،، وهناك شعر إجتماعي يتحدث عن المشاكل الإجتماعية وحلولها لتثقيف المجتمعات وحثهم على الوفاء والتضحية والصبر والتحمل لتحقيق التطور والرقي المجتمعي ،، وهناك أيضاً شعراً يتحدث عن الفخر والمديح والإعتزاز والحِكم والغزل أحياناً ويكون نوعاً من التغني بالأمجاد والتأريخ .
وكنا إلى القريب نسمع بالقصائد التي طافت الأفآق بما تحمله من مضامين في الأدب والشجاعة والتضحية لدين والمليك والوطن وأخرى عن التكاتف وإجتماع الكلمة والإلتفاف حول الوطن وقيادته وهناك من ينقل بعض الصور للواقع الذي تعيش فيه بعض المجتمعات بقالب كوميدي لمحاولة معالجته للأفضل .
لا أستطيع هُنا إستحضار تلك الأسماء اللامعه في سماء الشِعر والشُعراء والذين لهم باع طويل في أغراض الشعر ، حتى لا أدخل في نفق التجاهل للبعض أو التقرب للآخر لأنفذ بجلدي عن بعض العتاب من الكثير منهم ، فهم في سويداء قلبي .
ومع ذلك لا يمنعني من أن أعاتب البعض منهم عتاب المُحب لما آلة إليه قصائدهم و نزولهم إلى مستويات متدنية من الكلمات الهابطة والتهديد والوعيد والمساس بحياة الناس وأشكالهم و أنسابهم وأعراضهم مما يدل على نفاذ ذخيرتهم الشعريه فينزلون إلى مستويات عميقة ضاربين بتواريخهم وأمجادهم عرض الحائط ،، وذلك بعذر أن الجمهور ، عاوز كذا .
أين ذهبتم بنا يامعشر الشعراء وإلى أين نهاية المطاف أين القيم والتعاليم الربانية أين الأهداف السامية التي كان الكِبار يتغنون بها أين ذهبت المروء بين الشعراء أين أختفى الحياء من الله ثم من الناس أين المذاهب والأعراف والعروبة هل ذهبت مع من ذهب من الشعراء القدامى والذين كانوا يترفعون عن المهاترات والشد والجذب في الأنساب والأعراض وزراعة الفتن وإثارة النعرات
وسوء الظن والبُهتان والإجحاف في حق الغير والشتيمة فيمن أصابته أقدار الله وتعيرونهم بها وكأنكم في مأمن من ذلك ، بل أصبحت ميادين العرضات و المحاورة الشعرية مكانُ لتصفية الحسابات على حساب الأهداف السامية ولم يبقى هناك إلا المستنقع الشعري الرديئ والألفاظ السوقية ونشر الضغينة بين القبائل بالدعوة إلى العنصرية والتنمر وإشعال فتيل التفكك المجتمعي .
أرجوكم اعيدوا لشعر مكانته و هيبته ووقاره أعيدوا لشعر بهائه و رونقه ، فكم نحن مشتاقون لتلك القصائد التي مازال البعض يرددها لما تحمله من معاني و قيّم عظيمة ودروس وعبر تستفيد منها الأجيال . فهل سنرى ذلك قريباً ….
بقلم
عائض الشعلاني