حماس كحركة (ربما) ينظر السطحيون لها منتصر، بمفهوم الولاء للمحور الإيراني، الذي لايهتم بعدد الضحايا وحجم التدمير، ودائماً يدفع بأتباعه للمساومة على المصلحة الوطنية مقابل الحزبية، وهي تنجح في ذاك من حيث إطالة أمد الاستنزاف المراوغة، حتى يتحقق لها ماتريد وبدماء غيرها.
لكن على المستوى الاستراتيجي ستظل القضية الفلسطينية محل تنازع بين السلطة وحماس، وضمن المسار الإسرائيلي المناسب، لاسيما بعد تدمير غزة وإضعاف حماس، ولكن على مبدأ "لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم"، وستعود قطر استناداً إلى علاقتها بالطرفين، لتواصل دورها للتنسيق وتقريب وجهات النظر بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، ولكن الإشكالية هنا في إعادة الإعمار الباهظ، (( لو )) تم من خلال دول عربية، لاعلاقة لها بمخططات ومغامرات حماس وايران، أما الجانب الإسرائيلي يبدو أنه سيتجه مضطراً لدوافع المصالح الداخلية والمحافظة على التوازنات الحزبية، وكذلك المصالح مع الولايات المتحدة، الراعي والداعم الرئيسي، لاسيما مع اقتراب السباق الرئاسي في واشنطن.
وحقيقةً أن في النزاعات والحروب مثل تلك التي تحدث في غزة، من الصعب تحديد منتصر بشكل واضح.
فالخسائر البشرية والمادية الكبيرة، تجعل الحديث عن نصر مطلق أمراً معقداً، وبالنسبة للتخطيط والأهداف، غالبًا ما تختلف الرؤى بين الأطراف المعنية، فكل طرف يرى الأمور من زاويته الخاصة.
ولكن بعد تبني مجلس الأمن مشروع بايدن لوقف الحرب في غزة، من الممكن أن تكون هناك نجاحات في تحقيق وقف مؤقت للعنف
وبحسب ما ألاحظ أجد أن المنتصر الأبرز هي القضية الفلسطينية ذاتها.
فقد بلغت القضية كحق مشروع وأرض مغتصبة ومحاصرة أفق أكبر لم تصله بالجهود الدبلوماسية المضنية السابقة، هذا الافق دفع إلى الاعتراف بدولة فلسطين، ودفع إلى تجريم شخصيات إسرائيلية، وخسرت إسرائيل أمام فلسطين القضية الكثير من مكاسبها السابقة، وكانت الجرائم صوت أنين ضحايها، وصورهم أكبر من كل الإعلام الغربي واليهودي.
ضحايا المجازر كان أقوى في وصول صوتهم من كل السياسيين الفلسطينيين السابقين.
وكسبت فلسطين القضية تجاوب شعبي غربي، نسف الكثير من الجهد الإعلامي لاتهام الفلسطينيين بالإرهاب.
أما أول الخاسرين فهو المواطن الفلسطيني البسيط، الذي خسر نفسه وعائلته وبيته، وخسر الآلاف من الفلسطينيين في غزة أمنهم واستقرارهم وعيشهم وممتلكاتهم، وعادوا إلى مربع الجوع والفقر والمرض والموت.
وثاني الخاسرين الغرب الذي فقد مصداقيته أمام نفسه، عندما توقف أمام مفترق طرق بين طريق مبادئه الإنسانية، التي كان ينادي بها، وأنشأ لها المنظمات، وحاكم الدول والمجتمعات عليها، وبنى ثقافته ورسائله عليها، وبين مصالحه وسياساته في دعم آلة القتل الإسرائيلية، وكان المشهد أكبر من الأقنعة وكاميرات المراسلين.
أما خسارة إسرائيل فمثلها مثل خسارة حماس، التي قطعت آخر خيط يربطها بالقضية نفسها، عندما تأكد أنها تاجرت بغزة وأهلها كلها لصالح تحسين موقف إيران التفاوضي، ومازالت مستمرة مدعومة بمليشيات إيران في لبنان واليمن والعراق.
كسبت فلسطين وخسر ساستها.
ولكن التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد حلول دائمة للنزاع، وتحقيق الإستقرار على المدى الطويل، وتحقيق الأهداف المخطط لها، يعتمد على التعاون الدولي والعزم السياسي من الأطراف المعنية.
عبدالعزيز بن منيف بن رازن.