الغريب دائمًا يشعر بالوحشة ، ويهزّه الشوق إلى الأهل ، والأحباب ، والأقارب ، وكذلك إلى وطنه ، فالغربة كالداء تحتاج إلى دواء ، وسأحاول أن أعطيكم في مقالتي هذه الوصفة السحرية لعلاج ذاك الداء .
هناك من يعيش في بلاد الغربة ، وكأنّه في وطنه في أي مكان تضعه يجد الأنس والسعادة ، وكأنّه في نزهة حتى لو أغلقت عليه بين أربعة جدران يشعر بأنك كافأته ، وبأنّه حر طليق ، والغريب في الأمر بأنّ هؤلاء القوم يرون تلك الجدران الأربعة حديقة خلاّبه ، وقصر جميل ! هؤلاء هم القراء خير صديق لهم في بلاد الغربة الكتاب.
أَعَزُّ مَكَانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ
وَخَيْرُ جَلِيْسٍ في الزَّمانِ كِتابُ
فمع الكتاب يعيشون رحلة ماتعة كيف لا وهو من ينقلهم للماضي ، ويعطيهم أخبار الأمم السابقة يعرفونها ويستفيدون منها .
يا له من صديق يأخذهم تارة في قمم الجبال ، ثمّ ينزل بهم إلى الأودية والسهول ، ثمّ يحلّق بهم في السماء ، ثمّ ينقلهم إلى شاطيء البحر ، والأعجب من ذلك بأنّك لا تستطيع أن تعيش كل العصور إلى مع الكتاب .
فهو يعطيك أخبار تلك الدول ، والمماليك ، والأمصار ، وكأنّك بينهم.
ولا يخفى على شريف علمكم بأن أشرف و أرقى وأفضل تلك الكتب القرآن .
لك أن تتخيل معي بأن كل حرف تقرأه بحسنة والحسنة بعشر أمثالها . قال صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف).
فيه علوم الأولين ، والآخرين فيه النور فيه الهداية فيه الشفاء فيه العزة فيه القوة وهاهو عثمان رضي الله عنه يبين قيمة القرآن بطريقته فقال ؛"لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام الله "، ثمّ تأتي كتب السنة النبوية ،ثمّ تأتي كتب العلماء من السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، ثمّ تأتي الكتب النافعة الأخرى في أمور دنيانا .
يا له من صديق قال الشاعر :
نعم المحدث والرفيق
كتاب تلهو به إن خانك الأصحاب
لا مفشيا للسر إن أودعته
وينال منه حكمةٌ وصوابٌ
الكتاب كنز من بين أيدينا ، فهو غذاء الفكر ، هو الطريق إلى العلم والمعرفة .
سلفنا الصالح عرفوا قيمته ، لو قرأت شيئاً من أخبارهم لوجدت العجب ، فبعضهم قد يبيع كل ما لديه لكي يشتري كتاباً ، وبعضهم قد يسافر المسافات الطويلة كي يقتني كتاباً، وتعرفون كيف كان السفر قديما تعب ، ومشقة هائلة . قال النبي صلى الله عليه وسلم:" السفر قطعة من العذاب " عليك بالكتاب النافع الذي يكون عونا لك في دينك ، ودنياك ، واحذر من ذاك الكتاب الذي قد يجر لك الويلات ، ويقودك إلى الهاوية ، وأنت لا تشعر ، فأنت بمجرد قراءة ذاك الكتاب ، فأنت تسلّم عقلك أو شيئا من عقلك لمؤلف ذلك الكتاب ، فانتبه من قطّاع الطرق الذين يقطعون عليك طريق الحق لكي يجرّوك لطريقهم الباطل، فبعض الكتب قد تفسد عليك دينك وهو أغلى ما عندك فقد تقودك إلى الإلحاد ، أو تملأ قلبك غلاً ، وحقداً على وطنك وولاة أمرك ، وبعضها قد تطعن في عقيدتك وبعضها تقودك للتكفير والتفجير، فكن حذراً أخي القارئ .
قال الشيخ صالح السندى حفظه الله " و النبي صلى الله عليه وسلم غضب عندما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أعلم هذه الأمة ، وأفضلها بعد أبي بكر رضي الله عنه يقرأ شيئا من كتب اليهود كما في المسند . فكيف بالجاهل الذي يقرأ في الفلسفات الإلحادية و العقائد التشكيكيّة، و الأفكار الضالة ".
وقال حفظه الله:" دينك أغلى ما تملك فاعرف من أين تستقي المعلومة التي تجعلها ديناً واعتقاداً ". وقال حفظه الله :"نسمع اليوم من يقول نحن أمة إقرأ ، وأمة اقرأ لا تقرأ، وأقول الصواب أننا أمة (ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِی خَلَقَ ) فليس المهم أن نقرأ ، المهم أن نقرأ النافع وإلاّ فعدم القراءة أنفع للإنسان من قراءة تورده الموارد " انتهى كلامه حفظه الله(كتاب مراقي الوعي).
أسأل الله أن يوفقنا لقراءة كل ما هو نافع لنا في ديننا ودنيانا ، وأن يحفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا إنّه على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير .
والسلام أجمل ختام
بقلم : عبدالله بن حامد بن سعيد الشهراني.