أثناء قراءتي في: [السير، للذهبي ١٠/ ٧٥] استوقفَتني قصةٌ حصلت للإمام الشافعي -رحمه الله-، مفادها:
أن الشافعيَّ أصابه سقم وشدة؛ فأمر تلميذَه يونسَ بنَ عبدِ الأعلى أن يقرأ عليه من القرآن؛ لعله أن يخفِّفَ عنه ما يجد.
ومما لفتَ انتباهي: تلك العبارةُ التي زَفَرَها الإمامُ لتلميذه، حيث قال له: *(لا تغفلْ عني؛ فإني مكروب).
وأقول:
مهما بلغ بالإنسان القدْر، ومهما حلَّقَتْ به منزلتُه؛ فإنه يظل ضعيفًا، يعتريه من منغِّصات الحياة ومكدِّراتِها ما يُوهِن قواه، ولله في ذلك حِكَمٌ بالغةٌ تتقاصر عقولُنا عن إدراكها، وتتضاءل أفهامُنا عن استيعابها.
ولولا إخوانُ (الصدق) -بعد الله- لَتقطَّعَ قلبُه غمًّا، وضاقت أنفاسُه كربًا، فسبحان من تفرَّد بالعزة والغنى!
ولعلك تحلُم عليَّ في استطرادي بتأملِ: كيف فَزعَ الشافعيُّ -أول ما فزع- إلى كتاب الله، فأمر تلميذَه بقراءة القرآن عليه؟ لتدركَ كيف كان القرآنُ بالنسبة لهم؟! وصدق الله: (قل هو للذين آمنوا هدًى وشفاءٌ).
ثم لا ينقضي عَجبي حينما أراه يبوح بآلامه ومواجعه إلى (تلميذه!!)؛ لتوقنَ بضخامة تواضع ذلك الإمام! وعظيمِ قدر ذلك التلميذ -الذي بلغ في المنزلة أن يأنَس به الإمامُ الجبلُ: الشافعيُّ!!-، رحمهما الله، وجزاهما عنا خيرَ الجزاء وأوفاه.
ولعله لاحَ لك من هذا البَوْحِ: ألا تتحرَّجَ من اختيار الصاحب (الناصح)؛ ليشاطرَكَ همومَك، والذي ربما يحملها عنك!
وإذا كان الشافعي -وهو مَن عرفتَ في الفضل والمكانة!!- لم يسلم من تلك النوازع المقلقة، والدواخل المزعجة، فكيف بمَن دونَه بكثير؟!!
ألا فلْيرحمْ بعضُنا بعضًا، ولْيتفقَّدْ كلٌّ منا صاحبَه، فكم بيننا من مكلوم هو أحوج ما يكون إلى نظرةِ رحمة، فضلًا عن كلمةٍ تُنعِشُه، أو احتواءٍ يبعث في روحه الحياة.
كتبه د. طارق بن سعيد بن سنيد أبوربعة الحربي.