رغم تسابق العَبَرات في منحدر الغياب الكبير، ورغم تدافع الدموع في ضباب الكلمات الهائمة أسىً ولوعة، نقول: الحمد لله على كل حال، لا شفاعة في الموت، هكذا اقتضت مشيئة الرحمن، وتلك هي سنة الله في الخلق، بالأمس القريب، تجرعنا مرارة الفقد وآلام الفراق، كان الظن أن الرجال أصحاب الهمم العالية لا يرحلون هكذا بسهولة حتى جاءنا النبأ الفاجع، بغياب الرجل الصالح البار أبيض اليدين الذي لم يرد سائلاً، ولم يعرض عن تقديم يد العون لكل محتاج ومسكين، ولم يتوان عن دروب الخير يوماً من الأيام، فازددنا إيمانا وتصديقاً وتذكرنا قول الباري عز وجل: {إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون}.
كم هي قاسية لحظات الوداع، التي تسجل وتختزن في القلب والذاكرة، ودعنا رجلا بأمة سيف الله حافظ -رحمه الله-، بعد مسيرة عطاء عريضة، ومشوار حياة كريمة، تاركا أثرا جميلا، وذكرى طيبة، وميراثا من القيم النبيلة.
لقد تركت برحيلك يا أبا حسام ذكرى غالية لكل من عرفك أو سمع عن مناقبك، واستحققت الثناء من الجميع دون استثناء، فقد كنت من الرجال المحسنين الفاضلين الساعين لأعمال الخير، تساعد الفقير المحتاج ولا تعرف يمينك ما تنفق شمالك، وكنت تسعى دون كلل لمساعدة من يستحق المساعدة ومن يطلبها منك دون تردد، حتى وهو أنت في العناية المركزة لا تعلم بالدنيا شيء خيرك وصل للفقراء، وقد تركت حزنا كبيرا في قلوب محبيك لفقدانك، وسيفقدونك الأيتام قبلنا، فأنت رجل سخي قل أن يجود الزمان بأمثالك.
رغم معرفتي ومعاصرتي به -رحمه الله- لفترة لم تطل كثيرا، لكنني تعلمت منه الكثير، ولم أعرفه إلا رجلاً متواضعاً سامي الأخلاق، عابداً باراً متصدقاً تقياً صالحاً.
فإلى جنات الخلد أيها الحنون العطوف، فإنك وإن رحلت من دار الفناء إلى دار البقاء، فإن ذكراك العطرة ستبقى راسخة في قلوبنا، وستجد أعمالك الخيّرة في ميزان حسناتك -بإذن الله تعالى-.
سنفتقد صوتك، كلماتك، شهامتك، إنسانيتك، كرمك، صورتك البهية الراسخة في ذاكرتنا، وجهك البشوش دائما.
نم قرير العين وباسط اليدين، فأعمالك خير دليل على كرمك وشهامتك وعطفك وتقواك
نم قرير العين يا صاحب المواقف النبيلة فخصالك الكريمة لا يمكن أن تعد أو تحصى ولا يمكن أن يكتبها قلم، فقد كنت قيمةً عظيمةً أضاءت الحياة بالوفاء
نم قرير العين فلقد تركت بيننا من نَهَل من سمو تربيتك، واستمد من كرم أخلاقك الكثير، وكما يقولون لا تموت ذكرى رجل خلّف وراءه أنجالاً كراما نهلوا حسن الخصال، وتزينوا بعظيم الأخلاق.
يـا راحـلاً عـن هـذه الدنيا وتاركاً
ذكـــراك باقية وأنـــت مـخـلـدُ
قـــد لا نـــراك ولا تـــرانا إنـمـا
في القلب رسمك لم يزل يتجدّدُ
وداعاً .. أيها الرجل الباقي في قلوبنا.
كتبه | سامر المزي
صبيحة يوم الخميس 1445/11/1