يقول مصطفى السباعي رحمه الله: مَنْ أراد معرفة أخلاق أمة فليراقبها في أعيادها إذ تنطلق فيها السجايا على فطرتها وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها.
ولاشك أن في أعيادنا بحمد الله تتسم بعض مظاهر التعاون الاجتماعي من صدقات ومبرّات للبيوت الفقيرة والعائلات البائسة.
بَيْدَ أن ذلك إلى حد ما قليل بالنسبة لما ينبغي أن تكون عليه أعيادنا، بالنسبة لمظاهر الترف والإنفاق الذي ننفقه على ملذاتنا وفي أسفارنا وولائمنا. فنحن نكتفي بالعطاء القليل مع استطاعتنا أن نبذل الكثير.
لذا ، ينبغي أن تحقق أعيادنا الأهداف والغايات المشروعة لنحقق مبدأ الأمة الخيِّرة، فلا نسرف في لهونا وفرحنا ونشعر بإخواننا المحتاجين والفقراء، ونواسي المنكوبين ونقتصد في ضحكنا ولعبنا ونتذكر إخواننا ومآسيهم.
إخواني: في يوم العيد ينبغي أن ينسلخ كل إنسان عن تفاخره وتباهيه بحيث لا يفكر بأنه أعلى وأثرى أو أغنى أو أفضل من الآخرين، وبحيث لا يتخيل الغني مهما كثر ماله أنه أفضل من الفقير.
يقول رسول الهدى عليه الصلاة والسلام: ((إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا: اغدوا معشر المسلمين إلى ربِّ كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم وأمرتم بصيام النهار فصمتم وأطعمتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم. فإذا صلوا نادى منادٍ ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة...)) رواه الطبراني.
لذا قيل: إنما العيد لمَنْ فاز بالقبول وحسن الختام.
إخواني: إن الإقبال الشديد على الطعام والشراب واللباس والحلوى والزينة والولائم والمناسبات الباذخة فيه مفاسد دينية ودنيوية فهو يفسد الجسم بالأسقام ويتلف المال ويورث الإنسان الهمّ بالليل والمذلة بالنهار.
فما أكثر الأحداث المؤلمة والمظاهر المحزنة التي تنزل بالناس في أيام الأعياد نتيجة التسابق إلى الإسراف بأشكاله المختلفة وصوره المتنوعة. ونسي الناس أو تناسوا أن لهم إخواناً في ديار نائبة ومناطق بعيدة، بَلْهَ مَنْ يسكن بجوارهم يعانون من شظف العيش وقلة ذات اليد والمجاعة والفقر والعوز، هؤلاء هم أشد الحاجة إلى يدٍ حنونة تساعدهم وتمسح دمعتهم وتفرح قلوبهم وتبهج أنفسهم.
عليه، ينبغي أن نكف أيدينا عن التبذير المبالغ فيه في أيام الأعياد، وليكن العيد فرصة للتدبير الرشيد وكذا فرصة للمواساة والتكافل.
إخواني: كم مَنْ أموال تـُصرف في هذه الأيام على الملاهي والمناهي والملاعب والملابس والحلوى والمناسبات. وكم يتعدى المسلمون في هذه الأيام حدود الأدب بأفعال غير رشيدة وتصرفات غير سديدة. أين مَنْ كان لا يفرح بعيد ولا بغيره، إلا بما قدّمه من عمل صالح وفعل خير.
لاشك في أننا نستعد للعيد آباء كنا أو أمهات، أزواجاً أو زوجات، شباناً أو شابات، ولاشك في أننا نهيّئ كل ما يستلزمه العيد من لباس وأكل ولهو ولعب وسفر. فلنضف إلى ذلك كله استعداداً آخر أكرم عند الله تعالى ، فنفتش عن جيراننا وحوائجهم، ونفرّج كرَب إخواننا البؤساء المعدمين المشردين، ونعين الملهوف المحتاج، وندخل السرور على كل قلب.
إنّ مغزى العيد نفسياً واجتماعياً واقتصادياً كبير وعظيم، بما يضيفه على القلوب من أنس وعلى النفوس من بهجة وعلى الأجسام من راحة.
ففي العيد تتقارب القلوب على الود، وتجتمع على الألفة، وفي العيد يتناسى ذوو النفوس الطيبة أضغانهم فيجتمعون بعد افتراق ويتصافون بعد كدر، وفي ذلك كله تجديد للصلة الاجتماعية بين الناس.
وفي العيد تذكير المجتمع بحق الضعفاء والعاجزين بحيث تشمل فرحة العيد كل بيت وتعم النعمة كل أسرة من خلال صدقة الفطر والهدايا.