الحديث في هذا المقال عن شخص كان رقيقاً من الأرقاء مملوكاً لرجل ثري من اثرياء خرسان وكلاهما الرقيق المملوك يدعى / المبارك والثري يدعى/ نوح بن مريم ، ومن نسل هذا الرقيق شخصية إسلامية . رمز من رموز الإسلام . سليل التقي والورع المبارك ، ونجله عبدالله المولود في ناحية مور من إقليم خرسان في عام ١١٨ هجرياً ، والمتوفي عام ١٨١ هجرياً .
كان والده المبارك الحنظلي المروزي مملوكاً لرجل غني من مرو بخرسان يدعى/ نوح بن مريم سالف الذكر . أرسله لحراسة احد حقول البساتين البعيدة في مرو . وفي ذات يوم أراد ان يقضي بعض الوقت في بستانه ، فطلب من مملوكه المبارك احضار بعض من ثمار البستان عنباً ورماناً ، فقطف لسيده شيئاً مما طلب ، فأثناء تذوقه ، فإذاهما حامضة ، فقال سيده : يامبارك لا تعرف الحلو من الحامض ؟
فقال: لم تأذن أن آكل منه حتى عرف الحلو من الحامض ، فقال سيده: أما أكلت شيئاً وأنت لك شهور بالبستان ؟ قال الرقيق: كلا والله ماذقت شيئاً ؟ والله وتالله وبالله ما راقبتك إنما راقبت الله ؟ فتعجب سيده منه ، ومن عفته ، وظن خديعة منه ، فلما سأل عمال البستان والجيران . أكدوا ما رأوه يأكل شيئاً أبداً ، فتأكد السيد من صدق مملوكه ، وورعه وعفته . ذات يوم ، وهو جالس وينظر لبساته من جميع الأطراف ويحمد الله على هذه النعمة ، وماهو فيه من نعمة يتقلب فيها ، ومملوكه المبارك يقوم بخدمته ، ويسمع منه كلمات التسبيح والحمد ولا إله الإ الله والله أكبّر والأستغفار والحوقلة يكثر منها ، فاستدعاء مملوكه ، فقال: يا مبارك أريدك ان تصدقني القول في أمر ما لي أبنة تقدم لها الكثير من الخطاب الاغنياء والوجهاء من ترى لمن أزوجها ، فسكت قليلاً فقال: اليهود يزوجون للمال ، والنصارى للجمال ، والصين للحكماء والعرب للحسب والنسب ، والمسلمون للتقوى فمن اي الأصناف أنت ؟ زوج ابنتك للصنف الذي أنت منه .
قال سيده : أفضل التقوى والتقي ، ثم قال لمملوكه: أنت حر ، وطليق الحرية .
بعد مرور وقت غير بعيد استدعاء السيد/ نوح مملوكه السابق المبارك المعتوق ، وقال: ماوجدت إنسان أتقى لله منك أنكحتك ابنتي خوارزمية .
سبحان الله عف المبارك عن رمانة ، فساق الله إليه البستان وصاحبته ، والجزاء من جنس العمل .
ياسادة من ترك شيئ لله عوضه الله خيرا منه ، فكانت النتيجة هذه الزوجة الصالحة أنجبت شيخ الإسلام فقيه عصره ، وحجة زمانه ، وعلامة الإسلام/ عبدالله بن المبارك يرحمه الله الأمام الورع أمير الاتقياء . مؤرخ فقيه محدث شاعر ، وعالم بعلم الحديث . اسمه/ عبدالله بن المبارك بن واضح الحنظلي المروزي ، ويكنى بأبي عبدالرحمن . يعرف بالحافظ الغازي أحد أعلام الإسلام . عالم وإمام مجاهد مجتهد في مختلف العلوم الدينية والدنيوية .
مولده في مرو بتركمانستان ، وتوفي بالأنبار غرب العراق ، ومشايخه أبو حنيفة النعمان ، وعبدالرحمن الأوزاعي ، وشعبة بن الحجاج ، وهشام بن عروة ، وسليمان بن مهران الأعمش ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس . تلاميذه / يحيى بن معين ، وأبو بكر بن شيبة ، وأبو داود.
أمه العفيفة الطاهرة التقية/ خوارزمية بنت نوح بن مريم .
دام عزك ياوطن ودامت قيادتك ورموزك .