إن استخدام ضغط المستهلك للتحكم في الشركات ليس شيئاً جديداً. فما دام هناك سوق للبضائع هناك من يتبنى مصالح من يستهلك.
على أنه في الماضي كانت عادة أقلية بسيطة فقط هي التي تشارك في عملية مقاطعة المستهلك وفي التسوق السياسي، وحتى هذا كان يحدث في مناسبات متفرقة. أما اليوم فإن هناك إحساساً بأن نشاط المستهلك السياسي قد بدأ يصب في التيار الرئيسي.
إن الاستهلاكية، في حقبة عدم الاكتراث السياسي والتحلل من الارتباط، قد بدأت تحل محل المواطنة على اعتبار أنها الأداة التي يحصل بها الفرد العادي على هويته وعلى الاعتراف به في الساحة العامة. إن التفكير في أسلوب صنع المنتج سرعان ما أصبح التجلي التالي للاستهلاكية المستنيرة.
إن عولمة الإنتاج التي تمت في السنوات التي مضت واكبتها عولمة مطردة للمعلومات والاهتمامات على الرغم من أن هناك تنافراً واضحاً في المعلومات عند الشركة والمستهلك.
جاء في كتاب ( السيطرة الصامتة ) : إن سياسة المستهلك تهبنا فرصة كأفراد لأن نختلف بعض الشيء، وهي فرصة لأن نمارس سلطة مباشرة بطريقة لا تيسرها لنا الديموقراطية التمثيلية المعاصرة، ولكن ما مدى أهمية هذا الاتجاه؟ وهل هناك نسبة متزايدة من المتسوقين السياسيين تدفع زيادة في السعر لشراء قهوة بسعر حُدّد بالاتفاق بين المنتج والبائع، وشراء كرات القدم التي يصنعها الأطفال؟ أم أننا لا نولي القضايا الخيرة إلا اهتماماً زائفاً، ولسنا مستعدين للثورة إلا من آرائكنا الوثيرة؟ وهل النشاط السياسي الجاد – كما كان في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات – ما زال شغل الأقلية؟
ليس المستهلكون وحدهم هم الذين يوجهون الشركات إلى اتجاهات جديدة. فهناك أعداد متزايدة من المستثمرين الأفراد، وأهم من هؤلاء المؤسسات المالية، رأوا أن يستخدموا سلطانهم كحملة أسهم ((لينظموا)) مناورات اتحاد الشركات.
إن الشهرة في عصر الشعار هي الأهم. ويزداد إدراك الشركات بأن هناك توقعات جديدة مطلوبة منها. وكلما ازداد نشاطها جماهيرياً كان مطلوباً منها أن تبرر سياساتها ونشاطاتها، وكان مطلوباً منها أن تلتفت إلى ما يشغل بال مستهلكيها وأصحاب أسهمها، وذلك إلى درجة لم تعهدها من قبل.
ولا عجب أن كثيراً من الشركات تبدي قلقاً كبيراً عندما تُذكر هذه الأولويات، ويعترف كبار الموظفين التنفيذيين في عدد من الشركات ذات الشهرة بأنهم يشعرون بالضعف أمام أضواء وسائل الإعلام. وقد قال أحد هؤلاء: ((ليس أشد ما يخيفنا هو صدور تشريع جديد، وإنما الذي يخيفنا هو ثورة المستهلك)). وتحدث موظف آخر عن شعوره بالعجز فقال: ((إن كان الناس يعتقدون أن الشركات قوية، فإن هؤلاء الناس لم يجربوا العمل في شركة. لسنا أقوياء أبداً، إننا مقيدون في ما نفعل. إن خيار المستهلك لا يسمح لنا بأن نمتلك قوة طليقة)).
وإذن ماذا يعمل السياسيون عندما أخذ المستهلكون يقومون بدور الشرطي العالمي؟ إنهم وهم يخشون إثارة غضب الشركات بشكل مباشر يتبنون في صمت نشاط المستهلكين السياسي. إن السياسيين يتنحون جانباً لكي يستطيع المستهلكون وحملة الأسهم أن يصبحوا -إلى مدى يتواصل اتساعه- حراساً على نشاطات الشركات.