كنت ذكرت في مقال سابق بعنوان "الاستثمار الأجنبي في مناطق التوتر", اضافة لما أشرت اليه في مقالات أخرى عن الحروب من أن الصراعات المسلحة في هذا العالم وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط تعدّ فرصة استثمارية جاذبة لجيوش و أساطيل الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى لانتهاز واستغلال أي توتّر أو نزاع مسلّح في البر والبحر وحتى في الفضاء البعيد لطالما وجدت في هذه التّوترات والعمليات القتالية مكاسب سياسية وعسكرية وتجارية بذرائع و حجج واهية لم تعد خفية على المهتمين بقضايا العالم والمراقبين للشأن الدولي والإقليمي, ناهيك عن سعيهم الحثيث للبحث عن فرص التواجد العسكري في البحار والصحاري وحتى البحث في الفضاء لاكتشاف كواكب أخرى يمكن السيطرة عليها و تهديد كوكب الأرض بأكمله من مسافات بعيدة.
ولذلك نفهم أن بعضا من دول العالم تحاول أن تجعل من القوة العسكرية المدمرة مصدرا للدخل الاقتصادي كمثل ايرادات النفط والغاز والحبوب وغيرها من الموارد والمصادر السلمية والشريفة, غير أن دول أوروبا و أمريكا تسعى منذ زمن بعيد لفرض السيطرة الاقتصادية بالقوة العسكرية تماما مثلما حدث ابّان حقبة حرب النجوم مع الاتحاد السوفيتي سابقا و أيضا خلال الأزمة الخليجية مع دولة قطر, تلك الأزمة التي فتحت شهيّة الدولة العثمانية و أمريكا وكذلك ايران للاستثمار العسكري في المنطقة في حال تأزّم الوضع الأمني وتصاعد التوتّر في الخليج العربي وبالتالي تحقيق الوجود العسكري في الممرّات المائية والسواحل الخليجية مقابل الوجود والحصول على شحنات مجّانية من النفط والغاز الطبيعي المسال على غرار ما آلت اليه الأحداث في حرب الخليج الثانية عام 1990, ومن ثم مقايضة العراق آنذاك بالنفط وفقا لبرنامج "النفط مقابل الغذاء" في عام 1995, بمعنى أن الدول الكبرى تصنع فرص الوجود العسكري و تبحث عن مناطق التّوتر لإشعال فتيل الأزمات فيها من أجل عرض الخدمات العسكرية واللوجستية لاحقا على حساب الأمن والسلم الدّوليين وعلى حساب أرواح العباد و أنقاض البلاد كما أوضحت في مقال سابق بعنوان " ماذا بعد اشعال الحرائق في الشرق الأوسط", وكذلك مقال " معركة الموصل وشعار الحرب على الارهاب".
واليوم, وما أن اندلعت الحرب الاسرائيلية مع حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في السابع من اكتوبر تشرين أول الماضي حتى سارعت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأوروبيين الى تقديم الدعم العسكري لإسرائيل من أجل اطالة أمد الحرب في المنطقة و توسيع نطاقها ليشمل مناطق أخرى في الشرق الأوسط بذريعة "من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها", بينما الحقيقة هي من أجل حماية اسرائيل لتبقى منصة أمريكية و أوروبية لإطلاق صواريخ الهيمنة في المنطقة, ولتبقى مصدرا اقتصاديا لتمويل خطوط الانتاج في مصانع السلاح الامريكية التي جنت و تجني أرباحاِ طائلة من عمليات تدمير البنى التحتية للدول و تفجير المجمعات السكنية و القاء القنابل الفسفورية على المدنيين الذين ينظر اليهم الغرب على أنهم حيوانات بشرية وفقا لوصف خنازير اركان الحرب في اسرائيل.
في الجانب الآخر من هذا العدوان الرّباعي السافر - أمريكا واسرائيل وبريطانيا و فرنسا – على قطاع صغير لا تتجاوز مساحته 365 كيلو متر مربع, نجد أن هناك من أوعز لحزب الله وللحوثيين في اليمن بدخول دائرة الصراع تحت غطاء مساندة الشعب الفلسطيني الشقيق, لأجل اتاحة فرصة استثمارية أخرى كالتي أتاحتها حركة حماس للمستعمرين القدامى, وذلك حينما تبنّت قوات حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن القيام بعمليات قرصنة السفن التجارية في مضيق باب المندب و خليج عدن ما جعل وزير الدفاع الامريكي يقوم بزيارة لإسرائيل عرض خلالها تقديم خدمات البيت الأبيض بذريعة حماية السفن من اعمال القرصنة البحرية لعل أن يجد في المنطقة ما يعوّض به الخسائر الفادحة التي تكبّدها حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا حيث غرق الحلفاء هناك في مستنقع الحرب الروسية على أوكرانيا كما أوضحت في مقال سابق بعنوان " اللاجئون الأوكرانيون".
يعلم العالم كذلك, وبتواطؤ من جانب الولايات المتحدة, أن ايران تقدم للحوثيين دعما عسكريا لأجل توفير مثل هكذا فرص استثمارية للشيطان الأكبر كما تصفه ايران مقابل أن يغض الشيطان الأكبر الطرف عن البرنامج النووي كما أشرت في مقال "محور الممانعة والمقاومة", وهو المحور الذي يتعاون مع كل اشكال الشياطين في العالم ليبقى له من نصيب الأسد ما يعزز به تحقيق طموحاته التوسعية على حساب الأمن والاستقرار في المنطقة العربية.
وهنا اتساءل حول ما اذا كانت حاملة الطائرات ايزنهاور وصلت الى جنوب البحر الأحمر لحماية السفن التجارية والملاحة البحرية من مخاطر القرصنة الحوثية العبثية في عرض البحار, أم أن لوصولها هناك أبعادا عسكرية أخرى و طموحات أعلى تتعلق باستخدام الذراع الحوثية لزعزعة استقرار المنطقة الخليجية والعربية ليمكن لهم حينذاك نهب الموارد الطبيعية و تكريس الوجود العسكري على الأرض العربية لاسيما و أن الولايات المتحدة الامريكية كانت شطبت الحوثيين من قائمة الارهاب و شرعنة وجود هذا التنظيم الارهابي لغاية في نفس يعقوب ؟!
يقول أحد الشعراء
جاءت كلاب العِدا غدراً لتقتلهم ** و قلبهم في هوى الرحمن منشغلُ
تبّاً لها جمعت دين المجوس الى ** دينٍ لعفـــلق حيث الشرُّ يكتمـــلُ
كم هدّموا من بيوتٍ فوق ساكنها ** و قاعها بدم النســوان مُنخضـلُ