يمر على العقل البشري باستمرار وبلا هوادة قوافل محملة بمعاني الخير والشر، وتتحدث العقول الواعية بها، لإختلاف المفاهيم، وبعض العقول لا تتحدث تكتفي بالسماع فقط وتقفز منه مباشرة لاتخاذ موقف مع أو ضد المعنى، وهذه القفزة بسبب تعطل الجهاز المفاهيمي.
فالحس المادي بالمعاني هو نقطة البداية والإيمان بها نقطة النهاية وبينهما فجوة يردمها الجهاز المفاهيمي (االعمليات الذهنية واليقظة بهذه العمليات)، وبسبب عطل الجهاز المفاهيمي يضطر الفرد للقفز من نقطة البداية لنقطة النهاية لكي لا ينكشف العطل، لانه يرى أن هذا العطل عيبًا، ويرى أيضًا أن إصلاح العيب مضرًا أكثر من ضرر القفرة، ويضطر يقفز كل مرة حتى تمتلي ساحات العقل بنتائج غير مرغوب بها وليس لديه القدرة على التخلص منها وتضيق المساحة العقلية، ويهرب للامام ويستمر في القفزات واستئجار ساحات لا يملكها، لتسكين وحفظ المعاني بها كمصطلحات مجتمعية سائدة، لا يجرؤ على مناقشته حتى مع نفسه بسبب صورة الخوف عن أبداء وجهة النظر، وهذا إهمال وجحدان لملكات وقدرات منحه الله للإنسان، لاستخدامها لصيانة المعاني بمفاهيم جديدة، لكي لا تضيق المساحات العقلية ، وهي ضرورة اليوم مع كثرة المعلومات والمعاني.
عموماً كل المعاني تتسبب بفوضى وازدواجية عقليتان أن لم يعطيها الفرد مفهومًا عبر إستعمال الفكر بشكلٍه الصحيح، وإلا سوف تصبح العقول أما عمياء أو مجنونة وتصبح العقول عمياء عندما لا تفكر لان الفكر نظارة العقل، والأخطر من عماء العقل جنونه، ويحصل هذا الجنون عندما يُصدق ما يدعيه بائع النظارات العقلية بأنها صالحة ومناسبة لكل عقل، والصحيح أن الفكر يتخلق من الخامة العقلية ونفس درجة قوامها. ليتناسق الفكر مع العقل وهذا التناسق مهم جدا للتساق الذاتي، ولتمييز نوعية الخامة العقلية ودرجة قوامها، ينبغي رجوع الفرد بمفرده لمكوناته المعرفية مثل الدين الثقافة واثر المجتمع والمفاهيم الخاصة بالفرد والخبرات المعرفية...، وتأملها والتفكير بها ، ومن ثم التعرف على ما ورى هذه المكونات المعرفية، ليصبح الفكر عملية مستقلة تتصف بالحياد والملائمة عن ومع مكوناته العقلية ، ويطول الحديث عن الاستقلال الفكري، وللوصول للاستقلال الفكري يلزم تحرير الفكر من عبودية الذات مع الاعتماد على الذات وعدم التخلي عنها، وعدم إتباع غيرها من الذوات وعدم الانعزال عن الذوات الأخرى، وبالتالي تنشئ السيادة الذاتية وكأن هذه السيادة مركز عمليات وقيادة وسيطرة، لتنسيق المؤثرات على الذات ووضع هذه المؤثرات في مسارها الصحيح ليتسنى للفكر رؤيتها من جميع الجوانب والابعاد، والقدرة على استيعاب تنوعها ، وكذلك التفكير بطريقة التكامل وليس التضاد.
وأقول في أخر المقال من غير الصحيح ومن غير المنطق أن يُكذب كل شي، وأيضًا من الجنون أن يصدق كل شىء ، ويجتمع الجنون وعدمية المنطق عند محاولة فهم كل شي أو اهمال كل شي، الناس يتقبلون اختلافاتهم عندما يكونون منطقيين وغير مجانين، فأرتدي نظارتك العقلية الخاصة واقراء المقال بحيادية ولاحظ الفرق بين القراءتين.