كل إنسان يمتلك بنية داخلية وهو فقط المخول بمعرفة حقيقتها من ناحية قوة أساسها ومدى بعد عمقها ومتانته أو العكس ضعف الأساس وقصر مدى العمق ورخاوته، سواء اعترف بذلك لنفسه أو راوغ عن هذه الحقيقة أو فعلاً لم يتوصل لمعرفة بنيته، وعلى كل حال هناك دلالات لقوة أساس البنية وبعد العمق وكذلك هناك اعراض لضعف أساس البنية وقصر العمق، وهناك أسباب جذرية لذلك القوة او ذاك الضعف، رغم أن قوة البنية الداخلية مهمة للفرد العادي في تدبير ونجاح أمور حياته، وتكون في غاية الأهمية القصوى والضرورة للفرد الذي يمثل جماعة أو قائدا لمنظمة أو لفريق ، ويشتمل تكوين هذه البنية على عدة أمور منها معرفية ونفسية وقصدية واجتماعية وأمور أخرى كثيرة ولها تفاصيل طويلة لكن ربما تكون هذه أهمها تأثيرا على تكوين البنية وهذه المكونات المذكورة أيضا تؤثر ببعضها .
دلالات قوة أساس البنية الداخلية وبعد مدى عمقها ومتانته
امتلاك الرؤية الصحيحة عن ذاته وما حولها، وضوح وسلامة التصرفات والسلوكيات الداخلية وصحة وسلامة نسقها وسياقها للفرد مع ذاته قبل غيره سواء كان هذا الغير فرداً أو موضوعاً، انضباط وعفوية السلوك الخارجي، الحرص على التأكد من أن المبدأ سليم وكون الهدف النهائي نبيل ومعلن وواضح وأن الوسائل صحيحة ومناسبة ومعروفة القواعد، القدرة على تحديد التحيز الذاتي قبل الانخراط في الموضوع ، فهم علاقة جزئيات الموضوع ببعضها وكيفية تكون العنصر وعلاقة العناصر ببعضها، يرى الصورة الذي أمامه وليس الصورة الذي بداخله ويستطيع وضع الصورتين أمامه، القدرة على إيجاد الطرق المقنعة اقناعاً منطقي وعقلاني، الإلمام بالموضوع المعني والقدرة على شرحه بأكثر من أسلوب، التمكن والاتقان من الإجابة على كل سؤال أو نقد ومناقشته بكل وضوح وشفافية ومصداقية، ، الاستفادة من التجارب، الاتجاه نحو المشاكل الرئيسية والأسباب الجذرية وعدم اهمال تفاصيلها، التنبؤ بالمشاكل القادمة الجديدة وتحويلها لفرص مترفة، عدم السماح للمشاكل التقليدية والغبية والمذللة بالبقاء، القدرة على أمعان النظر بمكامن الجمال، والتركيز على الاستثمار الإيجابي في نقاط القوة، كما لدية القدرة وبنفس الدرجة السابقة للنظر في مكامن القبح وعدم الاستياء من وجودها، لا يتوقف لمعالجة السلبيات بل يعالج الأسباب التي أداة لظهورها، ومعرفة نقاط الضعف وعدم الحرج من ذكرها، يعتبر أن المشاكل هي سر قدرة الانسان على تطوير الحياة، يفهم بأن كل ما سبق لا يعني ضمان عدم حدوث الأخطاء أو الانحرافات لكن يضمن انه سيكون الخطاء واضحاً اذا حدث ويُعدل ويُصحح.
أعراض ضعف أساس البنية وقصر عمقها ورخاوته
بالإضافة إلى عكس الدلالات السابقة عن قوة البنية، يعتبر رغباته اهداف، عندما يمتلك هدف يشعر بانه مكلف بأن يعمل فوق طاقته ورغم ذلك لا يجني ثمار أعماله، تضخيم الأمور وتلوين الواضح بالغموض وعدم توزيعها بالشكل المناسب، الطغيان على طرف والخضوع لطرف اخر،
إجادة استخدام أساليب المراوغة السلبية،، التشتت والانشغال بمطاردة الاعراض وتسكينها وعدم القدرة على مواجهة الأسباب الجذرية، عند الفشل يخلق أسباب ليس لها علاقة بالفشل أو سحب مشاكل من مجال اخر لتقديمها كعذر لنفسه، البحث عن فرص تزيد من نسبة نسيان واقعه الشخصي ، تقليد التجارب، إعطاء موافقات بناءً على قبول ايحائي وعاطفي من دون قبولاً إدراكياً واضحاً ، توجيه وتنحية الحلول وربطها بجوانب وابعاد ليس لها، الخلط بين الحالة المعرفية والحالة النفسية والعام والخاص، استخدام المغالطات المنطقية، لا يستطيع الانفكاك من هاجس سياق فكري انتهت صلاحيته وثبت فشله، عدم القدرة على الخروج الإيجابي عن المألوف ( التقليد النسخ واللصق)، عدم القدرة على إحداث أبسط التغييرات الإيجابية ، إعطاء السمعة مكانة أعلى من الجودة، السماح بوجود المشاكل التقليدية والغبية والمشاكل الــمذللة والانشغال بها، والاحتفاظ بالمشكلة الرئيسية داخليا وعدم القدرة على طرحها حتى على نفسه وفي النهاية الشعور بذبول الحياة وجفافها من الفرص.
* الأسباب الجذرية لقوة او ضعف البنية*
من يمتلك بنية قوية وعمق بعيد المدى هو ببساطة لم يعمل شيئا مستحيل ولم ينزل عليه وحياً، لكنه قبِلَ ما منحهُ الله له من أدوات عميقة بداخله (والتي هي ممنوحة لأي إنسان) لكن هو فعَّلها واستخدمها بالشكل المناسب والصحيح، يؤمن بالمثالية ويؤمن بالواقع الحالي ويستخدم ما هو متاح لديه من موارد وامكانيات لرفع الواقع الى اعلى درجة يستطيع تحقيقها من درجات المثالية،
بينما الاخر يرى أنه لا جدوى من استخدام هذه الأدوات، وعبِث بنظامها وغير صيغتها الاصيلة، فبدأ يتقلص مفعولها الحسن شيئا فشيئا حتى نفذ، واصبح يؤمن بالواقع فقط وإن ضالته بهذا الواقع وكأنهُ من يبحث عن أبره وسط كومة من القش، لذلك الغاء دوره وسلم نفسه للواقع، واصبح يقتنع بأشياء ليس لأنه مقتنع بها فعلياً بل لا من يؤثر عليه مقتنع بها ، قتل مشاكله بداخله فلا يشعر بلذة الإنجاز والانعتاق منها، وصارت تزوره مثل زيارة الحلم اثناء النوم، لكن أثناء وعيه وفي وسط ضوء نهاره وتفوح رائحتها في سلوكه وتصرفاته،
والفرق الجوهري بين الاثنين هو جراءة الأول على اتخاذ قرارات والتي يرغب الثاني أتخاذها لكن لا يجرؤا على فعلها، سواء لأسباب خوف وهمي أو مطامع شخصية، طبعاً هناك قرارات ومشاكل مستثناه لا علاقة لها وليس بمقدوره اتخاذها أو حلها وهذه القرارات والمشاكل غير معني بها وهناك جهات أعلى من الفرد والمجتمع معنية بحلها مثل الحكومات والقوانين الدولية وغيرها ولن تموت هذه المشاكل بداخله لأنه يعرف انها خارج نطاقه وأنه بهذا الشأن عوداً من عرض حزمة، لكن ما يعنيه المقال هو وضع العود مع نفسه ومع الحزمة .