المفتي والتقوى صنوان متلازمان ، وأساس الفتوى التقوى من ربط اللازم بالملزوم ، فلا فتوى بلا تقوى ، وقبول الفتوى مرتبط بتقوى المفتي وورعه .
لا ريب فيه الفتاوي تختلف باختلاف المفتي ، ومن مفتي لأخر حسب حال المفتي ، وسعة إطلاعه بثلاثيته الحدية والحقيقية والكلية في علوم الافتاء وفقهه ، وادراك مفاتيح الافتاء ، وتقاطعه في أصول الفقه ، واتحاده في علوم الفقه ومعارفه ، والإلمام بأدوات الفقه ومفاتيحه .
هذا المقال الحديث من خلال سطوره يدور حول موضوع واحد اختلفت الفتوى فيه بين عالمين جليلين لهما تضلعهما في الشريعة ، ومكانتهما العلمية الشرعية لا غبار عليهما . أحدهما أعتمد على العقل مناط التكليف ، والأخر أعتمد على العمر وكبره ، والنسيان كمرض ، وهذه الفتوى نوردها بين فقهين من فقهاء وعلماءالجزائر ، و هُــما:
الأول:الشيـخ /موسى إسماعيل أطال الله بقاءه .
والأخر:الشيخ /محمد الطاهر آية علجت يرحمه الله .
قبل عشرين عاماً استفتاهما أبناء رجلاً أصيب والدهم بالزهايمر “داء النسيان ” المعروف .
فاستفتوا الشيخ الأول في هذا الأمر :
فقالوا للشيخ /موسى إسماعيل:
والدُنا مريض بـالزهايمر . يأكل ناسياً في نهار رمضان ، فماذا علينا فعله؟
فأجابهم بقوله :
*أبوكم قد فقد عقله ، والعقل مناط التكليف . غير مكلف بالصوم أصلًا ، والعلة حالة دائمة ملازمة والدكم لا يفرق بين النهار والليل ، ولا يرجى برؤه ، وبالتالي فلا شيء عليه بحكم المجنون .*
ثم ذهبوا للشيخ الثاني/محمدالطاهر يرحمه الله بنفس السؤال ، فأجابهم الفقيه:
*أطعموا عن والدكم عن كل يوم مسكيناً ، فلئن تعاملوا والدكم معاملة المريض أحب إليَّ من أن تعاملوه معاملة المجنون .*حتى تكونوا في منأى من عقوق الوالدين .
هذه فتوى الشيخين الجليلين ، وعلة مبررات كلاً منهما في موضوع واحد إنسان مسلم مصاب بالنسيان لعلة كبر السن احدهما جعل العقل مناط التكليف ، والنسيان يتساوى فيه المجنون والنايم ، ومن لم يبلغ الحلم سن التكليف لعلة فقدان التميز مدارك العقل أو لعلة عدم تحمل الصيام . يتساوى فيه كبير السن ، والصغير على حد سواء ، فكان منحى الشيخ الأول في فتواه دون الأخذ بالمبررات الإنسانية وأوشاج الدم والرحم والبر والتأدب مع الوالدين بمقتضى الآيات والأحاديث نصوص القرآن والسنة بخلاف الاخر يرحمه الله .
ما ان سمع الشيخ الأول /موسى إسماعيل فتوى الشيخ الثاني / محمدالطاهر انهمر بالبكاء معرجاً قائلاً : “حفظ الله الشيخ ( محمد الطاهر ) ما أفقهه؟ فالفتوى قبل أن تكون فتوى يجب أن تكون تقــوى ”
فقد لاحظ الشيخ الأول موسى ” أن في هذه الفتوى تقوى وبر وأدب مع الأب ، ورأى أنه من العقوق أن يعامل الأبناء أباهـم معاملة من ذهب عقله حاله كحال المجنون بل أمرهم أن يعاملوه معاملة المريض “، وهذا الفهم هو ما أبكى الشيخ /موسى إسماعيل .
ياسادة الفقهاء يتمايزون فيما بينهم في الفقه وأصل المسالة الفقهية من حيث العمق والجوانب الفقهية . فلا تستغرب من اختلاف الفتاوي والأحكام كلاً حسب منزلته الفقهية ، وسعت الإطلاع على آراء المتقدمين والمتاخرين . يكون حال المفتي . ليس كل فتوى مفتي صائبة أو كاملة إنما التقوى في الفتوى ، وهو من اسناد الأمر لأهله ، وليس المفتون على حد سواء إنما البعض منهم .
النسيان وردت فيه أحاديث نبوية كثيرة في الصوم ، ومستفيضة فيه ، ومعلومة لأهل العلم ، وقد ورد عن الصادق المصدوق قوله عليه أفضل الصلاة والتسليم:( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )رواه أبن ماجة والبيهقي وغيرهما عن أبن عباس رضى الله عنهما المحدث الألباني ، والمصدر: صحيح الجامع .
النسيان لا شك مرض يصب الإنسان اذا هرم .
اللهم أرزقنا الفقه مع الأدب وأرزقنا البر بالوالدين أحياءً وأمواتاً .
دام عزك ياوطن ودامت رموزك . لا صوت على الوطن ، ولا على الحق .
بقلم/ خالد بن حسن الرويس
ستة على ستة – ٥٨ –


- 06/08/2023
- 802
شاركها
-
“السماوي”.. يواصل سلسلة الانتصاراتمنذ أسبوعين
-
تعليم الطائف يختتم دوري المدارس للمرحلة المتوسطةمنذ 14 ساعة
-
صالحه حمد ان خلف
نشر...
-
صالحه حمد ان خلف السبيعي
اردالاتصال علي هذا الرقم ٠٥٠٠١٣٧٥٥٨...
-
خالد غازي
مقال ماتع وعميق كعادة الدكتور زيد الرماني يربط ببراعة بين ال...
-
صالحه حمد ان
ارد الاتصال ب الهاتف...
-
عبدالله الشهراني
أهلاً وسهلاً ومرحباً بك يا فراس أذكرك جيّداً طالب أدباً وعلم...
أخبار المجتمع
-
“ابن عسيم”.. يعود معافى بعد عملية ناجحةمنذ أسبوعين