تابعت باهتمام إحدى المساحات على منصة "تويتر"، والتي كان من أبرز ضيوفها ومتحدثيها المفكر والباحث الأكاديمي الدكتور ماجد التركي، إذ كان الموضوع الرئيسي هو العلاقات التركية – الخليجية والتي تزامنت مع الزيارة التي يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى دول الخليج.
ويرى "التركي" أن الهدف الرئيسي من الزيارة هو انعاش التبادل الاقتصادي بين تركيا والدول الخليجية الثلاث المشمولة بالزيارة وهي (المملكة – الإمارات- قطر) ، ويمكن النظر إلى الزيارة من 3 أبعاد وهي ( التحديات- المشكلات- الأفاق).
فبالنسبة للمشكلات فإنها تتركز على التنافسية سواء السياسية أو الثقافية أو الولاءات التي تمثلها مرحلة الربيع العربي، وما بعدها والتي نوعا ما خلقت بعض من المشكلات، الوجود الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط والتطبيع مع الدول التي لا تربطها مع إسرائيل أي حدود، وكذلك إيران وأجندتها في المنطقة.
ويؤكد "التركي "أنه من ضمن المشكلات كذلك المصالح الإيرانية – التركية و المصالح التركية – الإسرائيلية، والتي تتقاطع سلبا مع المصالح العربية – التركية، وهذه تحتاج إلى تحليل موضوعي للتوصل إلى حلول جذرية لها لا تتضارب مع مصالح الجميع.
أما فيما يتعلق بزاوية التحديات فتتمثل في استراتيجيات القوى الدولية سواء الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، أو بقايا الاستراتيجية الأمريكية القديمة في المنطقة، ومحاولات الولايات المتحدة ممارسة بعض القوى في المنطقة عبر إسرائيل، ومن بعدها إيران.
علاوة على ذلك تنامي استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة في بحر الصين الجنوبي، وانعكاساتها على أمن المنطقة، وسط محاولات واشنطن لاستعادة مكانتها في المنطقة والتعامل مع تحدياتها.
ويرى التركي أن التحدي الأخر هو الملف الروسي بكل تفاصيله الاقتصادية والسياسة والأمنية والمتمثل في الحرب في أوكرانيا، والتصادم مع الغرب، والمشروع الروسي الأورومتوسطي و المشروع الروسي- الصيني، وهذه تحديات كبيرة جدا أمام العلاقات الخليجية – التركية، ناهيك عن إشكالية انضمام تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، والتوازنات فيما يتعلق بحلف "الناتو" والملف الأوكراني ومحاولة التمسك بدور الحياد في الحفاظ على مصالحها مع روسيا.
وبذكر الحرب في أوكرانيا فهنا لابد التنويه إلى ما يثار حول ملف الحبوب، وتعالي الصوت الغربي، الذي يزعم حبس روسيا للتوريدات العالمية للحبوب، في حين تؤكد موسكو أن 3% فقط من الحبوب التي تخرج من موانئ البحر الأسود تصل للدول الفقيرة والباقي تستحوذ عليه الدول الأوروبية.
وهنا لابد لفت الانتباه إلى مخزونات القمح الكبيرة الموجودة في دولة "كازاخستان"، التي تصل إلى 26 مليون طن، في حين تستهلك منطقة الشرق الأوسط حوالي 10 ملايين طن في العام.
وعلى ذلك فإن اتفاقية الحبوب التي يفخم الغرب منها ما هي إلا صوت سياسي أكثر منه اقتصادي بل لن تكون مؤثرة لأن روسيا لم توقف توريداتها من القمح للدول التي تربطها بعلاقات ووقفت على الحياد طيلة الحرب ، حيث يبلغ انتاجها السنوي أكثر من 36 مليون طن، وتقوم بمساعدة الدول الأفريقية من خلال بيعه بأسعار رمزية أو الدفاع بالأجل.
ولكي يتم التخلص من التركة السلبية في العلاقات الخليجية – التركية، خلال الخمس سنوات الماضية على الأقل، فلابد تجاوز المشكلات الراهنة مثل الحرب في السودان و الملف السوري والليبي، والعراقي، وغيرها من الملفات الملحة.
وفي الختام ، فإنه السؤال الذي يفرض نفسه هو هل ستكون روسيا تشعر بالراحة من تقارب الخليج وتركيا، الحقيقة أنه من الأفضل هو وجود روسيا كشريك استراتيجي ثالث في إطار تقوية العلاقات بين تركيا ودول الخليج.، وهذا في تصوري مهم جدا في تنوع وتعميق الشراكات، وتوسيع دائرة الشراكة الثنائية.
وأما فيما يتعلق بالإشكاليات المتعلقة بالتقارب التركي – الإيراني، فإن هذه المشكلة لن تكون لها تأثير في العلاقات بين دول الخليج والعالم العربي وبين تركيا لكون المزاج الشعبي العربي والتركي مزاج واحد وهو المزاج السني، في المقابل هناك رفض نفسي شعبي إزاء إيران بسبب البعد الطائفي والشيعي.
لكن لدي عتاب للنخب وهو الاتكاء على المصادر الغربية في الحكم على العلاقات بين الدول، مما يخلق تصور سلبي وإعطاء صور ذهنية غير صحيحة، وأكبر مثال هو الاستعانة بمصادر غربية خلال الحرب في أوكرانيا ، حيث تربط بين روسيا والغرب عداوة شديدة بسبب تلك الحرب الشعواء.
وفي المرحلة الراهنة لابد أن يكون لنا معيارنا الخاصة ، للحكم على العلاقات مع تركيا، وفي تقييم الأمور، فعلى سبيل المثال منظمة "أوبك" كانت تعتمد قديما على منظمات أوروبية لتقييم مؤشرات السوق النفطية، فاكتشفوا أنها مؤشرات غير دقيقة لكونها كانت مزاجية وموجهة وفقا للمصلحة الغربية.
لذلك تعتمد "أوبك" الآن على مؤشرات ومعايير الخاصة بها، لاتخاذ قرارتها حول أسعار النفط، لذا لابد الاعتماد على انفسنا في المؤشرات الأمنية والاقتصادية و الإعلامية وغيرها.
وفي رأيي الشخصي ، أن الدكتور " التركي" أصاب في حديثه قلب الحقيقة ، وأن المنطقة في حاجة لشراكات متعددة وأكثر انفتاحاً على الجميع وعدم وضع البيض في سلة واحدة ، وهو النهج الذي تتبعه القيادة في علاقاتها سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.
هذه الاستراتيجية في العلاقات الدولية توجب وضع حدود للعالم الغربي لا يسمح بتجاوزها، فقد بلغ الاستفزاز مبلغه، سواء على الصعيد الديني أو السياسي، لأن وضع الخطوط الحمراء على المستوى الوطني، ومن ثم على المستوى الأممي، بمثابة أدوات تسوق في النهاية إلى العزة والمنعة التي نستحقها.
بقلم : العميد الركن م / عبدالعزيز بن منيف بن رازن ، الرياض