مع ازدياد وتيرة الأحداث و الأعمال العدائية الإسرائيلية التي قامت بها جماعات من المستوطنين اليهود في الضفة الغربية خلال الأيام الماضية بعد اطلاق حكومة اليمين المتطرف في اسرائيل الضوء الأخضر للتوسع جغرافيا و ديموغرافيا في الأراضي العربية المحتلة, فقد كانت حكومة الكيان الاسرائيلي صادقت, و بضغط من عناصر الحزب اليميني في حكومة بنيامين نتن ياهو قبل نحو شهر تقريبا, على بناء ما يزيد عن عشرة آلاف وحدة سكنية استيطانية جديدة حول مدن و قرى وبلدات الضفة الغربية في اضافة أخرى للمستوطنات التي يقدّر عددها وفقا لمصادر بنحو سبعة آلاف بؤرة استيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
و تشير المعطيات الى أن الحكومة الاسرائيلية صادقت أيضا على 83 مخطّطاً هيكلياً و تفصيلياً في الضفة الغربية و القدس, تقضي ببناء أكثر من 8288 وحدة سكنية جديدة في حين لا تزال الحكومة الاسرائيلية تعمل على توسيع مستوطناتها و انشاء مستوطنات أخرى جديدة في الضفة الغربية بالرغم من ادانة 158 دولة من أصل 166 دولة لهذه التجمّعات الاستعمارية في تصويت سابق بالأمم المتحدة.
وكانت مصادر اعلامية أوضحت أن الحكومة الاسرائيلية الجديدة وضعت الاستيطان في طليعة ملفاتها المهمة منذ نيلها ثقة البرلمان في ديسمبر/ كانون الأول 2022 حينما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن حكومته ستعمل على تعزيز الاستيطان بالضفة الغربية.
و منذ ذلك الحين, تزايدت وتيرة اعتداءات المستوطنين المتشدّدين في الأراضي الفلسطينية, و باتت تتصدّر المشهد عقب توتّر زادت حدّته خلال الأيام الأخيرة بمقتل 9 فلسطينيين برصاص الجيش الاسرائيلي الخميس الماضي في مخيم جنين شمالي الضفة الغربية. و بحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية, فقد بلغ عدد المستوطنين في مستوطنات الضفة الغربية بما فيها القدس 726 ألف موزعين على 167 مستوطنة, و 186 بؤرة استيطانية.
من كل هذه الأرقام والمعطيات والتقارير نفهم أن اسرائيل تتوغّل و تتوسّع استيطانيا في الضفة الغربية والقدس الشرقية من خلال قيام جرّافات الجيش الاسرائيلي بهدم منازل الفلسطينيين و جرف مزارعهم, ثم بناء وحدات سكنية استيطانية جديدة على أنقاض قرى و بلدات فلسطينية بأكملها.
و مع ازدياد وتيرة بناء المستوطنات اليهودية و محاولات طمس الآثار التاريخية و رموز الحضارة والثقافة العربية الفلسطينية, تقف الولايات المتحدة الامريكية ظاهريا على الحياد و تكتفي بإعلان بيانات التنديد الخجولة بينما تقف مكتوفة اليدي مع غيرها من جمهور المتفرّجين الأوروبيين على مدرّجات الأمم المتحدة, وتغض الطرف عمّا يقوم به لاعبوا الفريق الاسرائيلي من اعتداءات تنتهك ميثاق الأمم المتحدة و مبادئ القانون الدولي و حقوق الانسان.
نحن نعلم جميعا أن الولايات المتحدة الأمريكية و دول أوروبا كانت فرضت ما يزيد عن ألف عقوبة اقتصادية على روسيا منذ اندلاع الحرب بين روسيا و أوكرانيا لكننا لم نسمع بأن هذه الدول فرضت عقوبة واحدة على اسرائيل التي تنتهك يوميا و أمام الملأ حقوق الشعب الفلسطيني و تُدنّس مقدّساته و تدمّر ممتلكاته وتحرق مزارعه و تسعى لتهويد ثقافته و طمس هويته وتاريخه و ايقاف نضاله و شلّ حركة كفاحه و منعه حتى من المطالبة بتحرير أرضه و تقرير مصيره و اقامة شعائره الدينية في مقدّساته و دور عبادته.
لهذا الموقف الأمريكي جذور تاريخية وهو ليس غريبا من كل الادارات الامريكية المتعاقبة لا سيما و نحن نتذكّر أن الرئيس الامريكي الأسبق بيل كلينتون عندما قام بزيارة رسمية لإسرائيل خلال فترة ولايته الرئاسية و جيء به لزيارة قبر صلاح الدّين الأيوبي و قال حينذاك كلمته الساخرة: " ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين",.. اذ كيف لمثل هذا الرجل العنصري الذي حاصرته الفضائح الجنسية والسياسية حتى ألقى به الحزب المنافس الى خارج أسوار البيت الأبيض, كيف لمثله أن يتجرّأ و يسخر و يقول مثل هذا الكلام أمام قبر القائد العربي المسلم صلاح الدين الأيوبي لولا اعتماده على أصوات و نفوذ اللوبي الصهيوني في بلاده؟!
كما و نفهم جميعا أن اسرائيل تتبنّى سياسة التطهير العرقي و طمس الهوية الفلسطينية وتشويه الثقافة العربية دون أن تتدخل أمريكا و دول أوروبا التي تتباهى أمامنا بتطبيق قيم الحرية و حقوق الانسان بينما لا تنادي بتطبيق هذه القيم والمبادئ الغربية والمواثيق الدولية اذا ما تعلّق الأمر بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني و مقدساته وثقافته, الأمر الذي يكشف تبنّي هذه الدول لمعايير سياسية مزدوجة ومبادئ استعمارية قذرة لا تزال تؤمن بها و تسعى لتكريس تطبيقها على شعوب المنطقة العربية و بلدان أخرى في القارة الافريقية اضافة لقيامها ببناء مستعمرات ثقافية كما أوضحت في مقال سابق بعنوان "بناء مستوطنات ثقافية في العقل العربي".
نحتاج مثلك يا صلاح الدّين و المسلول ** فالقدس في أيدي بني صهيون تستجيرُ
مسرى رسول الله والمعراج والأقصى ** أرضٌ لنا دنّسها بنو صهيون الخنزيرُ