من واقع القراءات الفكرية والتربوية التي وجدتُها في إبَّان بحثي عن هويةٍ جامعةٍ لمبدأٍ يحترمُ القيمَ ويتناغم مع الواقع ويُخرجُ المُسلمَ من التِّيه والاختناق بالمشاهدات اليومية، ألفيتُها تتمثَّلُ بكاتبٍ حين الإشارةِ إليه يكون أحدُنا قد استراحَ من البحثِ في مساراتٍ متباينةٍ لا تأتي بشيءٍ له وزنٌ، يكونُ شافياً كافياً لطلاَّب الحلول ولِبُغاة الاشتفاء من الأمراض والأوضار الفكريّة التي تهاجم الجسمَ، و حين لا تتمُّ تقويةُ الجهاز المناعيِّ له ستُنهكُه الأمراضُ وسيخِرُّ صريعاً إنْ عاجلاً أو آجِلاً.
ذلك هو التشخيص للمرض، ولكن أين الطبيب؟ الأطبَّاءُ كُثُر ولكن سنهتدي إلى نطّاسيٍّ منهم نأخذ بنصائحه ونُفِيدُ منه العملَ، صاحبِ التآليف الوافرة التي تطرَّقتْ إلى أغلبِ قضايا العصر مع تأصيل شرعي وإحاطة بمشاكل الواقع بعقلية المفكِّر الأمين على قضايا الأُمَّة ذاك هو الدكتور عبدالكريم بكَّار، فمع هذا التيار الجارف من الشُّبُهات والشهوات، لا يمكنُ أن تُستَدفعَ هذا البلايا من الطوام والفتن- والتي جاء فيها الحديثُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بقوله: "وإِنَّ أُمَّتَكُمْ هذه جُعِلَتْ عَافِيَتُها في أولِها وإِنَّ آخِرَهُمْ يُصِيبُهُمْ بَلاَءٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها ثُمَّ تَجِيءُ فِتَنٌ يُرَقِّقُ بَعْضُها بَعْضًا فيقولُ المؤمنُ هذه مُهْلِكَتِي ثُمَّ تَنْكَشِفُ ثُمَّ تَجِيءُ فِتْنَةٌ فيقولُ المؤمنُ هذه مُهْلِكَتِي ثُمَّ تَنْكَشِفُ".- إلا. بقراءة أمثالِ هؤلاء المُفكِّرين الذين يملكون ذاكرة واعية باللحظة والزمن، ومتعمِّقة في حَلِّ العُقَدِ المعقودة بإدراكٍ وسلاسةٍ وهدوء.
مع هذا الظلمات التي أعمتْ البصائرَ والقلوبَ قبل الأبصارِ والعيونِ، كان اللجؤ إلى الله أوَّلَ الأسبابِ، وأقولُ لِكُلِّ مهمومٍ ولكلِّ مَن التبستْ عليه الأمورُ، حتى أصبحَ لا يُبصرُ طريقَه من كثرة الفتن التي تموج كموج البحر، عُدْ إلى الأمر الإلهيِّ الأوَّلِ في سورة العلق ﴿ اقرَأ بِاسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ ﴾، وهنا تحضرُني كلمة متينة للشيخ عبدالكريم بكّار وهي أنَّ: (القراءةَ قربةٌ من أعظم القُرَب إلى الله).
لأنَّ الباطلَ كالظلام ينكشفُ بتسليط أضواءِ المصابيح عليه، و المعرفةَ شُعلةٌ من نورٍ تُمِدُّها القراءةُ الواعيةُ المستبصِرةُ فإذا قصَّرتَ ولو يسيراً سيخفُتُ النُّور، وكلَّما احلولك الدُّجى تضاعفتِ الجهودُ لإيقادِ السُّرُجِ، والليل طويل والسُّرى أطول فيا ربِّ رُحماك أنت نعم المولى ونِعم النَّصير
لي فيكَ يا ليلُ آهاتٌ أردِّدُها
أوَّاهُ لو أجْدتِ المحزونَ أوَّاهُ
استرشدَ الغربُ بالماضِي فأرشدَه
ونحنُ كانَ لنا ماضٍ نَسِينَاه
والماضي لا يُترَكُ بل هو الإرث والتراث، وهو ليس تلك الألوان الشعبية التي يتراقص عليها الضائعون، يريدون بذلك اختزال المشهد، بل أقصد به ذاك الإرثَ من المعارف والعلوم التي أبدعها علماؤنا في الحِقَبِ الذهبية المُنصَرِمة، ولكن لا تعني العودةُ أن نقبعَ في التاريخِ
وننقطعَ عن حاضرنا بل هذه دروشة يُريدُها المُتَرَبِّصون ويُراد لها أن تكون.
سالم صعيكر البلوي