احتلَّ الوجود الفعلي لشكل الأنثى في المخيلة العربية على مر الفترات التاريخية من خلال أنماط وفضاءات مشحونة
باللوعة و الهجاء و السعادة، مما كشف عن خبايا الإحساس التي ضمرها الشعراء حول ماهَّية الأنثى، التي استحوذت على قلوب وألباب الشعراء واستوعبت مساحة حقيقية داخل النص الخطابي، فراح الشعراء يطلقون العنان لأقلامهم لترسم صورا
بديعة الحسن حينا، ومغرقة في المعاناة و القساوة أحيانا.
يبدع بها الشاعر في بناء نصوصه التعبيرَّية والمضمونَّية ساعًّيا لإغناء الشعر بدءا من مجنون ليلى قيس بن الملوح حتى شاعر المرأة نزار قباني. ولعلّ صياغة الجسد الأنثوي كانت فعلا ثقافيا حتى صار منهجا يؤثث جغرافية الأنثى وانتمائها،
فالأنثى روحا وجسدا وفكرة تصاغ في أذهان الشعراء، و لأن معظم الشعراء رجالٌ فقد حمل شعرهم نزعة ذكورية حيث تم تقديم الأنثى بمرتبة أقل من الرجل. وهنا نجد أن الشاعر كان أمامها بين حالتين أحدها سمو والأخرى هبوط من خلال مدى تخلصه من هيمنة الجسد. والمتأمل في الشعر العربي يرى أن الأنثى هي عنصر التغزل عند الشعراء والأدباء على مر العصور، وهي المحبوبة التي يبوح لها بأحاسيسه ويبث لها معاناته، ثم يصفها بأجمل الأوصاف فهي الأم والأخت والبنت والزوجة والحبيبة لتكون الأنثى عنصرا بارزا من عناصر الخطاب الشعري. ولشخصية الأنثى صور مختلفة فهناك الأنثى المتناقضة مع واقعها، وهناك صورة الأنثى المستقيمة، الأنثى ذات معطيات جمالية واِجتماعية، لذا فهي تمد الأديب بمادة غزيرة. كلف العرب بالغزل والنسيب منذ جاهليتهم، فكان ركنا ركينا في بناء القصيدة العربية لا ينفك عنها، إذ اعتادوا على اِفتتاح
قصائدهم بالغزل والنسيب، ومن ناحية أخرى نجد من يصور المرأة من خلال الأسطورة في شعره بأن يقدمها كما يحب أن
يراها أو يحلم بها، فالشعراء غالبا كانوا يجدون ضالتهم في شعرهم من خلال تصوير علاقتهم بالأنثى بسبب اِفتقارهم إلى علاقات حقيقية مع الأنثى كونهم جزء من مجتمع شرقي ينتقد هذه العلاقات.