الآثار الأدبية في تنمية الكتابة؛ لها اليدُ الطولى و المقام الأسمى، لذا فتقليبُ دفائِنها شرطٌ و حتمٌ لازم لامتلاك أزِمَّة التعبير، هذا إلى إتقان درْس علوم الآلة كعلم النحو وعلم الصرف وعلوم البلاغة، و علم متن اللُّغة، وحبَّذا لو أُضيف لها علومُ الآلة في الشريعة الإسلامة و هي علم التجويد وعلم أصول الفقه و مصطلح الحديث وغيرها.
وهنا سأضيفُ لطيفةً من لطائف الأدب، فيها إحماض عن ما نحن نتصدَّى له، من تجهُّم الطلب ووعثاء النصب، ساقها ابن كثير في (البداية والنهاية) وذلك أنَّه: "يُروى أنَّ رجلاً قرأ على الإمام المازني “كتاب" سيبويه، في مدة طويلة، فلمَّا بلغ آخره، قال: "أمَّا أنتَ فجزاك الله خيراً، وأمَّا أنا فما فهمتُ منه حرفاً"!.
و لستُ في مقامٍ أبثُّ فيه قولاً جديداً لم يُقَلْ، فهذا لدى أوساطِ المثقفين وطلاب العلمِ معروفٌ معلوم، و لكن
و إنْ كان معروفاً و معلوماً فالإضافة مطلوبة لتجدُّدِ الشرائح واتِّساعها وهشاشةِ المشهدِ العام، ثُمَّ إنَّ النَّاس يقولون فيما بينهم كلاماً ما هو إلا مُكرَّرٌ ولكنَّ مسحةِ الزمنِ هي الكفيلةُ بتجديدِه وإضفاء الطرافة و الجِدَّة عليه ، وفي هذا المعنى باح كعبُ بن زهير بقول:
ما أرانا نقولُ إلا رجيعاً
و مُعاداً مِن قولِنا مَكْرُورا
وفي هذا كذلك يقول الإمام علي بن أبي طالب: "لولا أنَّ الكلامَ لا يُعاد لنفد".
تمهيدٌ لما هو آتٍ وهل نطلب للحديث تمهيداً بل الكلمات هي الحاكمة على الخطاب إنْ خيراً فخير و إن كان الآخرَ فذاك.
يذهب شكري عياد في هذا إلى أنَّ: "الكتابة مسألة وقاحة".
فهي وقاحة من زاوية، وهي ليست كذلك من جهة أخرى، إن وافقت شروطَها، وأول هذه الشروط، استنطاق العِبر من الأحداث، و إحداث الوعي، ونشر "الحقيقة التي هي بنت البحث".
و الكتابة قفز ووثب كما يُنقل عن عبدالفتاح كيليطو، وأول من سنَّ هذه الحسنة الجاحظ شيخ الأدب العربي.
و تتنوعُ الآثارُ الأدبيةُ بينَ قديمٍ تليدٍ وبين مُعاصرٍ اكتسى حُلَّة التليد ليمشيَ شامخاً مُعتزَّاً بتليدِه وإن عاندتْه الأيامُ ورمتْه الأقدار، فَلَدَيْه من الثوابتِ ما يقهرُ عصيانَ الوقت
و يُمرَّغُ عنادَ المعاندين، لا أودُّ الإكثارَ من المترادفاتِ
فقد ترادفَ على حياتِنا من المُعضِلاتِ المضنيات ما سدَّ
الأُفُقَ! و نرجعُ إلى حديثِنا حتى لا تتشعَّب بنا فتفرَّق بِنا عن المراد، قلتُ: إنَّ الأثرَ الأدبيَّ له من الانطباع في النفوس ما يؤثِّرُ في النَّحِيزةِ و يُهيجُها لتنفعِلَ مع العمل الأدبيِّ الذي جاءَ في تعريفِه أنَّه: ( هو التعبير عن تجرِبَةٍ شعوريَّةٍ بصورةٍ مُوحِيَة)
وهذا الانعكاس يُخرج ما اعتمل من هذا الانفعال الشعوري لِيُبِيِّنَه بصورة مُشرقة تلمع فيها التَّجرِبة الإنسانية.