ذكر ابنُ القيم في زادِ المعادِ جملةً من الأسبابِ التي ينشرِحُ بها الصدرُ وتأنسُ بها الروحُ، منها ذكرُ الله وعدم الغفلة ومنها الإحسانَ إلى النَّاسِ والصدقةِ، وإخراج دغل القلب من الصفات المذمومة، ولكنْ استوقفني سببٌ من هذه الأسبابِ، أنقُلُه بنصِّه الرصين: قال: ومنها: "تركُ فضولِ النظر والكلام و الاستماع والخُلطة والأكل والنَّوم، فإنَّ هذه الفضولَ تستحيلُ آلاماً وغُموماً وهموماً في القلب، تحصُرُه وتحبِسُه وتُضيِّقُه ويتعذبُ بها، بل غالبُ عذاب الدنيا والآخرة منها".(١)
وهل وسائل التواصل الاجتماعي اليوم إلا من هذا الفضول الذي يُزري بالدين والخلق والعقل والمروءة والأخلاق، وكل مكارم الأخلاق التي تغنَّى بها العربُ قبل الإسلام، فالذي يتعاطى مثل هذه البرامج بشكل مُركَّز ومنتظم تُنتجُ له خللاً في التفكير والحُكم على الأمور ويُمسي مُستلباً ضائعاً مُشَتَّتاً بسبب الاجتزاء والبتر التي تعتمده مثل هذه التطبيقات، وكذلك أيضاً فإنَّها تَختزل المستخدم وتُبَسِّطه وتُسيِّرُه بغيرة إرادة واعية منه.
وليس كُل حدثٍ يُستدعى له التاريخ حتى يكون قاضياً في كل واقعة وإن كان ليس باستدعائه إذا اشتبهتْ الأمور أدنى مواربة، ولكن لطرافة الخبر آثرتُ إيراده وذلك أنَّ أبا العِبَر الهاشمي كان شاعراً، وكان كما ينقُل أصحاب التواريخ "في مبدأ أمرِه صالحَ الشعر، فرأى أن شعره مع توسطه لا ينفق مع أبي تمام والبحتري وأضرابِهما، فعدل إلى الحمق وكسب بذلك أضعاف ما كسبه كلُّ شاعرٍ بالجدِّ".
فاستدار الزمان فنفق فيه سوقُ الحمقى والمجانين، والتافهين، وحصَّلوا الأموالَ والمكانةَ، وتلاطمتْ بأهل الرأي والمعرفة حوالك الدهر، ومصيبات الوقت
(في سفر أيوب) بعضٌ من المواساة:
لكَ الحمدُ إن ٌ الرزايـا عطـــاء
وإنَّ المَصيبــاتِ بعضُ الكـَـــرَم
ألم تُعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
ولا تدع مشاعر العجز وغياب الحول والقوة تنفي عنك شخصيتَك وأهليتك في الحكمِ على هذه الثَّلَّة، فاحكم على نزواتِها بما يرضي الله، واضرب بها تحت قدميك وألقِ بها من علٍ .
سالم صعيكر البلوي
—————
١-زاد المعاد، ج٢، ابن قيم الجوزية، دار ابن حزم