تسعى الأمم في كل أنحاء العالم الى نشر ثقافتها و اقحام لغتها في المشهد الثقافي العام لكي تنافس اللغات الأخرى على الظهور واثبات الوجود لغويا للبقاء على خارطة الثقافات المختلفة بهدف ابراز حضارتها أمام العالم والمنافسة على الفوز بلقب اللغة الأولى عالميا وبالتالي الوصول لمرحلة النجومية والسيادة والانتشار الواسع كما هو حال اللغة الانجليزية التي حققت من خلال الزحف والتوغل ثقافيا و تقنيا و علميا شهرة واسعة النطاق نتيجة لتدفق المعلومات الانجليزية في الامبراطوريات الاعلامية ووسائل التواصل الرقمية و الابحاث العلمية حتى هيمنت تقريبا على المشهدين التعليمي والعلمي, وشيّدت قوّتها على أنقاض اللغات الأخرى ذات القوة التنافسية الضعيفة في خارطة التبادل التجاري العالمي و في عالم المال و ادارة الأعمال, اضافة الى فرض وجودها كلغة تواصل عالمية في المحافل والمؤتمرات والمنتديات و مراكز الابحاث والمهرجانات الثقافية والرياضية في مناطق واسعة من العالم.
ومن هنا نلاحظ أن اللغة الانجليزية قد غزت ولا زالت تغزو كل لغات العالم و تزحف على كل الجبهات الثقافية والاقتصادية والعلمية لطمس هوية اللغات الأخرى والبقاء في الصدارة دونما لغة منافسة و دونما زحف مضاد من جانب اللغات القوية الأخرى ذات القدرة على توسيع نطاق الناطقين بها كاللغة العربية التي يتحدث بها مئات آلاف الملايين من البشر, والتي كرّمها الله سبحانه وتعالى بأن اختارها لتكون اللغة التي نطق بها الوحي الالهي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية, و لأجل أن تستمر اللغة العربية في تفوقها لغويا على ما سواها من اللغات الأخرى, فقد حان الوقت لأن تقوم المؤسسات التعليمية والبعثات الدبلوماسية والوفود التجارية و الدّعاة الى دين الله بتعزيز جهود المساهمة في نشر لغة الضّاد على نطاق أوسع بين جميع سكان كوكب الأرض و توسيع قاعدة الناطقين بها من خلال بذل المزيد من الجهود الرّامية لوضع منهجيّة عامة و رؤية مستقبلية لفرض وجود العربية في قارّات آسيا و أفريقيا و أوروبا وقارتي أمريكا الشمالية والجنوبية.
ليس هذا لفرض حضور ملكة جمال اللغات في المؤسسات التعليمية والاكاديمية عالميا فحسب, وانّما لحمايتها أيضا من تشويه صورتها الجميلة وسماتها البلاغية الساحرة وخصائصها النحوية الفاتنة وأصوات حروفها الباهرة ودلالات الفاظها ومعانيها. فنحن نعلم ويعلم كل اللغويين حول العالم مدى جاذبية ملكة جمال اللغات, لغتنا العربية العريقة و الأصيلة التي تستحق أن نغار عليها ونبذل لأجلها بالوسائل المتاحة كل الجهود الممكنة لحمايتها من تحرّش اللغات الأخرى بها, أو تشويه عناصرها الجمالية, وكذلك لصدّ أي زحف أو هجوم ثقافي باتجاه مجالها وسماءها, و احباط أي محاولة للنيل منها بإضعاف معدل انتشارها وتجاهل اشتراط اجادتها تحدثا وكتابة وقراءة في مجال الأعمال ومجالات التوظيف والقدوم الى سوق العمل في المملكة العربية السعودية وغيرها من البلاد العربية.
ولتحقيق أهداف رؤية اللغة العربية 2050 فانه ينبغي مثلا على الجهات ذات العلاقة أن تقدّم توصياتها حول وضع خطة عمل تتضمّن مجموعة من الشروط التي يجب توافرها لدى المتقدّمين لوظائف القطاع الخاص بحيث يكون المتقدّم للعمل في المملكة قادرا و ملمّا باللغة العربية.
وبالإضافة لما ذكرت أرى أن تبدأ الجهات المعنية باللغة العربية في رسم خارطة طريق لمشروع خاص يشتمل على تكثيف برامج تعليم اللغة العربية ويستهدف غير النّاطقين بالعربية في أماكن تواجد المقيمين والعاملين في مختلف قطاعات العمل, وذلك بأن يتم تكليف و توجيه المتخصصين في اللغة العربية من أساتذة الجامعات والمعلمين في المدارس للعمل في هذا المشروع التعليمي الوطني, والطلب من غير الناطقين بالعربية في بلادنا ضرورة الاشتراك في هذه الدورات و التسجيل فيها برسوم دراسية رمزية لتشجيعهم على تعلم العربية ونشرها في بلدانهم, الأمر الذي قد يسهم بالنسبة لغير المسلمين منهم باعتناق الدين الاسلامي الحنيف و حفظ القرآن الكريم.
كما اقترح لو أن يكون من ضمن شروط الاقامة و تمديد تأشيرة العمل لموظفي الشركات الأجنبية عدم تجديد الاقامة في المملكة الا بعد اجتياز اختبار اللغة العربية والحصول على شهادة تثبت حضور المتدربين لهذه الدورات و توضّح المستوى الذي وصل اليه المتدرب أو المتعلم لمعرفة مدى قدرته على التحدّث بالعربية بأسلوب مقبول و خال من الأخطاء النحوية. و حبّـذا لو يكون من ضمن شروط الترقية بالنسبة لموظفي القطاع الحكومي والخاص اجتياز اختبار اللغة العربية الفصحى تحدّثا وكتابة.
و على غرار اشتراط فحص الزواج المعمول به في المراكز الصحية بالمملكة, فماذا لو يشترط على الراغبين في الزواج اجتياز اختبار اللغة العربية الفصحى تحدّثا على الأقل, وذلك لإعداد و انتاج أجيال محافظة على اللغة الأم و ناطقة باللغة العربية, و قادرة على جعل لغتها العربية خالدة و راسخة عبر كل العصور والأزمنة.
ســــــلامٌ على " الضّاد " و أهلهــــا ** و للضّاد نحن نقيـــــم المحافـــــل
ســــــلامُ على كـلّ ذي نخـــــــــــوةٍ ** غيــورٌ و عنها يقود الجحـــــــــافل