يهتم الناس في شبه الجزيرة العربية منذ قديم الزمان بموسم هطول الأمطار ويتناقلون أخبار الأحوال الجوية الممطرة فيما بينهم مع دخول فصل الشتاء داعين الله في صلاتهم أن ينزل الغيث عليهم و يسقي البلاد والعباد بما تجود به السماء في موسم المطر الذي ينتظرونه كل عام بشغف شديد حتى أن بعضهم يسمي أبناءه بأسماء المطر مثل " مطر, و غيث, و مزنة, و مزون", نظرا لما للمطر من انعكاسات طيبة على النفس البشرية لا سيما اذا هطلت الأمطار بعد طول غياب واكتست الأرض بمختلف أنواع النباتات البرية وتحوّلت الصحراء الى مروج خضراء كما أوضحت سابقا في مقال بعنوان " تحويل الصحراء الى مروج خضراء".
ولذلك لا تكاد تخلُ أحاديث النّاس الى بعضهم من طلب أخبار المطر أو كما يحلو للبعض منهم أن يقول باللهجة المحلية " عطونا علوم المطر", غير أن مثل هذا الطلب لا يمكن توجيهه الا لذوي الخبرة أو لمن تتلمذوا على أيدي رجال الصحراء ممن لديهم دراية تامة بأنواع السحب و مواسم المطر و مدى تأثير مياه الأمطار على سطح الأرض بعد أو أثناء سقوطها من السماء الملبّدة بالغيوم و هو ما يسمى عند العارفين بهذه الثقافة المطرية " نذور المطر", أي تلك التّغيرات التي يحدثها المطر و تطرأ على طبيعة الأودية والسهول بعد نزول المطر كما أوضحت أيضا في مقال سابق بعنوان " مياه الأمطار و الأمن المائي في بلادنا.
وهنا أتذكّر عندما كنت شابّاً في مقتبل العمر حينما فاجأني أحد كبار السّن بينما كنت في زيارة لأحدى المناطق الريفية غرب الجزيرة العربية, طالبا منّي أن أخبره ب " علوم المطر" الذي انهمر قبل ساعات قليلة من وصولي لهذه الدّيار حيث يهتم أبناء البادية بأخبار الأمطار واتجاه السّحب الرّكامية و مدى ارتواء الأرض بمياه الأمطار, و هو السؤال الذي لا يمكن للجيل أو البيئة التي انتمي اليها أن يجيب عليه بأسلوب مقنع للسائل, و بطريقة احترافية تتضمّن الكثير من التفاصيل الدّقيقة, و بنفس مصطلحات اللهجة المحلية لهؤلاء الرجال الذين بلغوا من العمر عتيّا وعاشوا عقودا طويلة من حياتهم في الترحال والبحث عن أماكن سقوط الأمطار في الصّحاري والقفار الواسعة.
في مثل هذا الموقف شعرتُ بنوع من الحرج اعتقادا بأنني لن أتمكّن من الاجابة على تساؤل الرّجل المُسنّ الذي بدى مُتلهفاً لسماع أخبار المطر أو " علوم المطر" كما هو متعارف عليه في قاموس مصطلحات المطر الخاص بهم. فقد جاءت اجابتي مقتضبة و سريعة و مُضلّلة نوعا ما بهدف الخروج سالما من هذا المأزق خشية التعرّض لانتقاد الرجال المحيطين به. و برغم محاولتي تقمّص أسلوب العارفين بسرد أخبار المطر و بنفس اللغة الدّارجة التي يفهمها جيل الزمن الجميل, الا أن الاجابة لم تعجب الرجل الكبير كما ولم تعجب الجالسين من حوله ممن يعلمون تماما خفايا الأمطار و أسرارها وطقوس الصحراء واسماء النباتات البرية فيها, حيث أبدى جميعهم دهشتهم واستياءهم للأسلوب الذي تحدثت به وكأنّما جئت اليهم من كوكب آخر وخاطبتهم بلغة لا يفهمونها.
وقد يكون من المناسب أن أوضح للقرّاء بعضا من أسماء المطر عند أهل الجزيرة العربية, ومنها على سبيل المثال " الرّذاذ", و هو مطر خفيف جدا يتساقط على هيئة قطرات صغيرة تشبه الغبار, وكذلك "الرّشاش", وهو ما يدفن الأثر أو يدفن الجرّة كما يقال في اللهجة العامية, ويقال "الرشاش" أيضا على بداية المطر قبل أن يصبح وابلاً.
وهناك أسماء أخرى تدل على قوة المطر و غزارته ومنها " الغشنة", والمقصود بها المطر السريع الذي يجعل الماء يستقر على سطح الأرض لغزارته, ثم " السيل" الذي تسيل على أثره الأودية والشعاب. ومن أسماء المطر الدّالة على هطوله بكثافة ما يسمى ب " القشع", وهو أقل كمّا من السيل, ويقال عندما تسيل بطون الأودية الكبيرة و يجرف في طريقه الأشجار والنباتات.
و لعل من أهم أسماء المطر المتداولة في شبه الجزيرة العربية هو اسم " الوسم" أي ما يأسم الأرض و يشكّل بحيرات مائية صغيرة دون جريان الماء على سطح الأرض. و أخيرا هناك ما يعرف ب " الشخط, أو الشّخوط ", وهو المطر الذي يضرب جزءا صغيرا وليس أجزاء واسعة من الأرض.
ومن المعروف أن المطر يثير قرائح الشعراء لوصف الحالة الانسانية العاطفية تجاه المطر. وممّا قاله الشاعر الكبير ماجد بن سفر الذيابي عندما طال به الغياب عن دياره وجاء اليه من يخبره بأن قومه قرّروا الرّحيل عن ديارهم بحثاً عن المطر في أماكن بعيدة هطلت عليها الأمطار وأينعت أرضها بالنّباتات في فصل الربيع, فقال هذه الأبيات للتعبير عن عدم رضاه بقرار الرّحيل:
يا مثيب هات العلم يا مثيب هاتـه *** هات العلوم وقصّها بالتفاصـيــل
عطنا ثبات العلم عطنا ثباتــــــــه *** عن ربعنا اللي فيّهوا بالمحـاويــل
يبون دارٍ لا سقى الله حصاتــــــه *** عساه ما تمطر عليه الهمالـــــيـل
الى أن قال:
عسى الحَيَـا يسقـي كشب و طلحاتـه *** و يضفي على الشبرم وهاك المصـاقيل
وفي طلب نزول المطر على الدّيار أقول:
سقى الله أمّ الــدّوم والبيــداء حـولـــها *** بمـــــاءٍ زُلالٍ من المُــــزنِ ينســابُ