هناك أشياء كثيرة نقوم بها ولا نستطيع تحديد فهمنا لطبيعتها الحقيقية أو كيفية تعاطينا معها وهل طريقتنا لتأديتها أفضل ما يمكنُنا فعله، إضافة إلى بعض الأمور التي تم أخذها كمعتقد أو كعادة دون أن يعرف الفرد لماذا هو مقتنعًا بها مع أنه لم يسبق له أن تطرق للتفكير بها وتأملها وحللها، تخيل حياة مجموعة من الناس معزولين ولا وجود بينهم للتواصل ولم يسبق لهم ذلك لا داخليًا بينهُم ولا خارجيًا مع غيرهُم، كيف تتوقع حياتهم ؟هل تعتقد أنهم سيسبقون العالم في اكتشافات الحياة؟، من دون التواصل يصعب بقاء المنظمة على قيد الحياة وأن بقيت لن تتميز تميزاً مستحق، ويصعب إنتاج المعرفة والحصول عليها ونقلها، ويصعب وجود العقلية النامية بل يصعب تطور البشرية إلا بالتواصل، والسؤال الذي يحاول الاجابة عليه هذا المقال هل التواصل الداخلي في المنظمات يعكس الفهم الحقيقي لعملية التواصل؟.
هناك بعدين للتواصل بجميع أنواعه ومستوياته بعد داخلي وبعد خارجي، وعندما يُطرح موضوعاً أو يمرُ في البال أو يُطلب منا أبداء وجهة نظر حوله، والموضوع يؤثر بنا أو نُؤثر به فكل ذلك من ضمن عمليات التواصل وهذا المقال من ضمن التواصل بين الكاتب والقاري ، فلا أحد يستطيع الخروج من أثر هذين البعدين، وينطبق ذلك على كافة أنواع التواصل ومستوياته، من تواصل الفرد مع ذاته ومع الغير وصولاً لمستوى التواصل الدولي والسياسات العالمية، لكن هل البعد الأول مبني على الثاني أو البعد الثاني مبني على الأول، وقد تم التطرق لمثل هذه النقطة او شبيهةً بها في علم النفس السياسي ( من يحكم من، النزعة الداخلية أو الموقف الخارجي ) وليس مهمتنا في هذا المقال الوصول لحل مع هذه النظريات لكن نستعرضها فقط للتوضيح أن الأمور ليست جديدة وليست سهلة، وإذا رجعنا لبعض نظريات علم النفس وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا بشكل عام، فان الشخصية الفردية تتشكل من الموروث والبيئة وحالة التنشئة وعندما تنضج الشخصية تتشكل الهوية وباكتمال الهوية، يستطيع الفرد حذف او إضافة أو تعديل بعض المفاهيم والقناعات، ورغم عدم تطابق هوية فردية مع أخرى إلا أنها متماهية مع الهويات الأخرى ومع العقد الاجتماعي الخاص بها ومع كافة البشرية، هناك مقولة لا أعرف من قالها تقول( انا أشبه كل الناس وأنا أشبه بعض الناس وأنا لا أشبه أحد) فنحن نتواصل مع ذواتنا ومع غيرنا باستمرار وهناك تواصل ناجح واخر فاشل، ولا أقصد نتائج التواصل بل كيفية التواصل، وما يهمنا بهذا هو التركيز على فهم الذات (الانا) فهماً صحيحاً، وإذا أردنا ذلك يلزمنا توجيه عملياتنا الذهنية نحو(الانا) الخاصة وفحصها باستمرار، وهي عملية معقدة "ولمعرفة المزيد أبحث عن ذلك "، ونحتاج أيضًا لفلترة الذاكرة وما تم تخزينه بها وتغيير كثيرا من المفاهيم السائدة ومناقشة بعض القناعات والمواقف المتخذة، وإضافة مدخلات جديدة للنصل لفهم عميق للذات ونبعد عن الفهم السطحي المستند على الإيحاءات، في هذه الحالة الأخيرة يصبح الانسان شيء اخر مختلف عن حقيقته وكأن ذاتهُ شيئاً لا يملكهُ ومنفصلاً عنه ويطفو على سطح يحكمه غيره، ولحل هذه المشكلة لا بد من البحث داخل الذات لإيجاد أرضية مناسبة لتأسيس بنية معرفية داخلية صحيحة تكون بمثابة العاصمة يرتبط بها ليكون فعلاً قادراً على الفهم العميق لذاته وقيادتها وتحديد من هو وأين هو، وهذا يستدعي الوعي بالفكر، والوعي بالوعي، والوعي في اللاوعي، وهذه النقاط الثلاث مجتمعة تشكل منظومة تأخذ دور حاكم العاصمة الذهنية والنفسية الذاتية الخاصة بالفرد، وترك العاصمة بلا حاكم يعتبر تشتت وضياع لأبعد الحدود، ومع ذلك يرفض البعض تنصيب حاكم للعاصمة لأنهُ لا يريد العيش بها ويرغب بالانصراف عنها للفضاء الخارجي بأي شكلٍ وعلى أية حال، لان العاصمة دقيقة جداً ولا تقبل حالة التيّه و لا مخادعة النفس ولا تسمح بالعبور من عدة منافذ في نفس الوقت و نفس الطريقة، ولا تعترف بالعملات المغلفة لأنها بيئة نزيهة ولا بد من درجة عالية من التركيز والتحكم والسيطرة وإلا سوف يكون امام حالات مُؤلمة ومواقف مُحرجة مع ذاته، وكلما كانت العاصمة مبنية على الادّراك والحرية الداخلية والمصداقية مع النفس (وهو أمرا ليس بالسهل)، كلما زاد الأمر سهالة، والفضاء الخارجي رغم انهُ مُؤثراً قوياً سواً إيجابياً او سلبياً، لكنه يسمح للفرد بإن يخدع نفسه ويعبر مع أي منفذًا ويستخدم المفاهيم المغلفة كما يريد وحالة التيّه فيه مقبولة وغير مستغربة ولا يتطلب تركيزً ويقبل التشتت من أوسع أبوابه ولهذا يفضل البعض الانصراف له ليتعامى عن ذاته حتى يجهل ذاته، وهو يرى ذلك ممتعاً، وانا أُشبهها بحالة تعاطي المسكنات أو المخدرات لكنها من دون جرعات لان الأمور في النهاية تزيد صعوبة، فينبغي إعادة ترميم عواصمنا وتنظيمها وتنصيب حاكم لكل عاصمة لتتضح الخطوط الفاصلة بين العاصمة والفضاءات الخارجية وتتضح المنافذ الصحيحة والمتاحة والمحمية والمؤمنة والممكن استخدامها، طبعاً فيما يتعلق بالموضوع المقصود وليس أي موضوع، فالتواصل مع الذات لفهم (الانا) رحلة جميلة وممتعة يرافقها كثيرا من المغامرات والمتاعب وبعض الآلام والقفزات الممتعة والعثرات المضحكة أحيانًا وكذلك المكاسب المفيدة، والأكثر جمالًا هو ما بعد ذلك وهو ثقة العبور،
إما التواصل الداخلي الخاص بالمنظمات فهو مستوى من مستويات التواصل، وينطبق عليه ما ذكرنا سابقاً ونحاول وضع بعض الإضافات البسيطة الى ما سبق فسوف اتناوله من جانبين فلسفي وأداتي،
بالنسبة للجانب الأداتي فقبل القيام بأنشائه قسم تواصل داخلي ، ينبغي ان تفهم المنظمة المعنى الحقيقي للتواصل والغاية منه، ولماذا تريد إنشائهُ، وهل لديها القدرة على الإيفاء بمتطلباته لمعرفة مدى جاهزيتها لأنشائه، لان بعض المنظمات ليس من صالحها انشائُه وسوف ينكشف امرها إذا كانت غير مؤهلة للعمل بشفافية ووضوح، وهما محوران أساسيان بالتواصل الداخلي، ويتمثل شفافية ووضوح التواصل، بالقدرة على تقبل وجهات النظر المخالفة والاستجابة السريعة لها والرد عليها ومناقشها بوضوح، والقدرة على إقناع الطرف الاخر بالمنطق، وتقبل النقد والمطالبات بصدر رحب، لا يعقبه اثار سلبية على كل الطرفين، وان يكون هدفًا استراتيجياً موثقاً للمنظمة، تسعى من خلاله لتصبح منظمة مفكرة وواعية وغير متنافرة تنظيميًا ومعرفيا واجتماعياً، وليس مجرد هدفًا شكليًا، وأن تلتزم الإدارة العليا بدعم البرنامج ومتابعة تطبيق سياسته وليس قائماً على مجهودات فردية وأعتقد لن يتم نجاح أي شي في المنظمة مادام أنهُ غير مدعوم من الإدارة العليا، وينبغي ان يكون فريق التواصل على مستوى عالي من التدريب التأهيل بهذا المجال، ومنحه الاستقلالية والسلطة والصلاحية والحماية الكافية لأداء الدور على أكمل وجهه .
اما من الجانب الفلسفي فالمنظمة كائن حي قائمة حياتها على الضم والتأليف بين الافراد من خلال انساق داخلية تشبه منظومة حاكم العاصمة وهو البعد الداخلي للمنظمة ويُعبر عن هذا البُعد بسياقات ظاهرة تعكس البعد الداخلي ليكون موضوعاً للبعد الخارجي ويفصل بين البُعدين حلبة لتصارع الأفكار الإيجابية وعلى المنظمة تهيئة المناخ المناسب بشكل يتناسب مع فكرة البحث عن فكرة، فصراع الأفكار لا يشبه صراع الثيران، والممارسات الفكرية لها مناخ مختلف تماما عن مناخ الاحاديث المجردة والكلمات السائبة، لذلك تحتاج المنظمة عمل توسيع أفاق لمدارك جميع أعضائها وخصوصًا المديرين، ورفع قدرتهم على مزيداً من المصداقية والحياد، واخبارهم عن ماهية التحيز وأن الفرد يتحيز حتى ضد ذاته (حب واشتهاء الاكل غير الصحي وكره ممارسة الرياضة) هذا مثال مادي ظاهر فكيف التحيز بالأمور المعنوية الخفية فالدور الإداري ايضاً له جانبين مادي وهو ما يتم على أرض الواقع وذهني أو معنوي وهو الاستبصار في ما يتم على أرض الواقع وتأمله وهذا يحتاج لإيجاد مكان للدور الإداري خارج الدور نفسه وخارج الذات الفاعلة ومحاولة الإجابة على السؤال هل الدور يمثلني أم أنا أمثل الدور؟ والاجابة بمثابة وضع حجر الأساس لتطوير الدور والذات والسمو بهما، الكل قراء أو سمع قصة عامل النظافة عندما زرا الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي وكالة ناسا عند انشائها للتفوق على الاتحاد السوفيتي آن ذاك حيث وجد عامل نظافة ولفت نظره، وسأله جون كينيدي ماذا تفعل هنا؟ وقال أنا أشارك في مهمة إرسال أول رجل لسطح القمر، وهنا تكمن وتبرز رؤية الدور والشعور بالتكامل وانه جزء من كل، فالجميع يدرك بان الجدران حتى وإن بداءة جميلة فهي لا تستطيع أن تنتج، فجمال المنظمة في مستوى أفرادها بكل حالاتها ونشاطاتها، ومن المؤسف ان بعض المسؤولين عن فرق العمل سواً إدارات عليا أو وسطى وحتى التشغيلية يعتقدون ان الإدارات التشغيلية ليس بحاجة للمهارات الفكرية ولهذا لا داعي للاهتمام بتوقعاتهم ومتطلباتهم واقتراحاتهم وشكاويهم ،وهذا غير صحيح، فالارتقاء يتم بالجذب من أعلى أو الرفع من أسفل، ولك ان تتخيل منظمة مستوى المهارات الذهنية والفنية والإنسانية لإداراتها التشغيلية بمستوى إداراتها العليا فكيف يكون أدائها عند مقارنتها بمنظمة لا تعطي اهتمامًا لإداراتها التشغيلية وتتعامل معهم كالآت. وإذا لا يظهر ذلك للإدارات العليا فهم لا يرون إلا صورة محورية فعليهم الخروج من الدائرة ليتمكنوا من رؤية الصورة كاملة بتفاصيلها ولتكن لديها معرفة بحقيقة ما يجري في واقع الامر. كني عصبت شوي هههه.
رؤية المملكة 2030 غيرت كثيراً من مُجريات الأمور والاحداث وقلبت موازين القوى حتى خارج الوطن، وعرابها وقائدها صرح بأن المواطن السعودي هو الداعم وهو الركيزة لتحقيق الرؤية، لذلك ينبغي من المنظمات تمكين منسوبيها والاستفادة منهم من خلال دعم التواصل الحقيقي ، وجود برنامج أو نظاماً تواصل لا يعكس التواصل الحقيقي، نظام التواصل الحقيقي يحد من الممارسات الإدارية والقيادية التقليدية والكلاسيكية والتصرفات الشخصية التي تلحق ضرراً بالمنظمة مثل تهمش عمليات الابداع والابتكار، ضعف الموظفين، وتسلط المدراء، فكل هذه الممارسات والتصرفات توجه الجهود فقط نحو توثيق وشائج العلاقات السلبية، بدلاً من توجيهها لتحقيق رؤية المنظمة ورسالتها وقيمها وأهدافها الاستراتيجية المعلنة وربطها بالواقع ويستطيع الجميع ملاحظة الانحرافات عند حدوثها بين الواقع وما هو معلناً ، وربط المصلحة الشخصية للموظف بالمصلحة العامة للمنظمة وليس على حساب المصلحة العامة.
وفي النهاية أحب أشكر المنظمة التي افخر بالانتماء اليها والتي تعلمت منها الكثير وأضافت لي الكثير، والمعنية بالتنمية الإدارية بالمملكة العربية السعودية " معهد الإدارة العامة وخصوصاً المركز الرئيسي وفرع الرياض". فالمعهد لا يوجد لديه سفراء موظفيه هم سفراء غير رسميين وبعفويتهم وتلقائيتهم الباقين منهم والذين غادروه.
- أمير منطقة حائل يستقبل وزير السياحة
- إدارة تعليم المذنب تحتفي باليوم العالمي للطفل
- حرس الحدود بجازان ينقذ مواطنين تعطلت واسطتهما البحرية في عرض البحر
- تنفيذ حكم القتل تعزيراً بعدد من الجناة لارتكابهم جرائم إرهابية
- النيابة العامة تعلن عن تدشين “غرفة الاستنطاق المخصصة للأطفال”
- «الحياة الفطرية» تطلق 26 كائناً مهدداً بالانقراض في متنزه السودة
- تستمرّ للثلاثاء المقبل معلنة دخولَ الشتاء.. جولة مطرية جديدة يصحبها انخفاض بدرجات الحرارة بمعظم المناطق
- لاستبدال 250,000 مكيف.. “موان” يعلن إطلاق ثالث مراحل مبادرة “استبدال”
- «الجنائية الدولية» تصدر مذكرتي اعتقال لنتنياهو وغالانت
- “حساب المواطن” يعلن صدور نتائج الأهلية للدورة 85 لشهر ديسمبر القادم
- من مخاطر داخل المنزل تهددهم.. “المدني” يؤكد أهمية المحافظة على سلامة الأطفال
- “الهيئة العامة”: كود الطرق وضع معايير وشروط لتصميم وتركيب مطبات السرعة
- بوضعية خارج الرحم.. “سعود الطبية” تنقذ جنينًا بحالة حمل نادرة في الأسبوع الـ26
- «الطيران المدني» يُصدر تصنيف مقدِّمي خدمات النقل الجوي والمطارات لشهر أكتوبر الماضي
- الزكاة والضريبة والجمارك تدعو وسطاء الشحن إلى الاستفادة من الخدمات الجمركية المقدمة في المنافذ البحرية
محمد سويد الرشيدي
التواصل الداخلي بالمنظمات
20/10/2022 1:08 م
محمد سويد الرشيدي
0
303985
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.adwaalwatan.com/articles/3524698/