الحديث في هذا المقال له شجون عن رمز من رموز الوطن ، وشخصية عصامية وطنية . برزت من رحم وبيئة أشد فقراً ، وأحلك الظروف وأصعبها . أستطاع من عصاميته ومكافحته ، وكبده ، وجلده في الحياة الاجتماعية . ان يضع بصمة تخلد آثاره ، وتمجد أفعاله ، وتثبت وجوده حساً بإسهاماته في مجالات الخدمة المجتمعية والخيرية . هذا الشخص العملاق من أديم الوطن أرض الجزيرة العربية بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية أصلاً ومنشأ .
يا سادة هذا الشخص المتميز من جميع الجوانب . عملاق أسطورة المال ، وامبراطورية الأعمال ، وبوصلة التجارة وفنها . انه رجل الأعمال السعودي درة البكيرية المولد فيها ، وغادة الرياض دراسة ، ووردة نجد مدارجاً . عضيد كل يتيم وأرملة وفقير ومحتاج وعبق مسك السعودية ، وصفوة رجال أعمالها أينما حل حل الخير الوفير ، وعرفاً بفضل الله عليه تبرع بثلث ثروته كأوقاف في أعمال الخير ومجالاته . أتصف بحسن التدبير ، وفن الدراية ، وصواب التصرف . يعمل بصمت ، ويعطي بسكات ، ولا يحب التبذير ، ويمقت الإسراف وينبذهما . قريباً من الله ، ومحباً لعباده الاتقياء ، انه رجل الأعمال السعودي محب الخير ، وداعم الجمعيات الخيرية والأوقاف ، ومحجج من لم يحج حجة الفريضة متحمل تكاليف حجه .
يا سادة عرفتموه إنه الورع النقي التقي الزاهد وقف وقفته المشهورة لأهل الكويت أثناء اجتياح العراق الغاشم الظالم لجارته الكويت عام ١٤١١ هجرياً وضع بين الحدود الكويتية السعودية جسر من الشاحنات قاطرة محملة بالمواد الغذائية ، والمياه الصحية وغيرها من الملابس ، والفرش والخيام ، وكل ما يحتاجه الكويتيين اللاجئين ، والفارين من ظلم الاجتياح العراقي .
عرفتموه يا سادة ام لم تعرفوه إنه فوق كل نعت وصفة ولقب موسوم فوق السعادة والمعالي والفضيلة . بتواضعه تعدى كل هذه الصفات والنعوت والالقاب ، وهي دونه أثبت بالأفعال جدارته ووطنيته ، وانتماءه العقدي والإسلامي ، وعروبته ومكارم الأخلاق بيان السخاء والعطاء فيه يتأصل حيناً بعد حين ، ومد العون لإخوانه المحتاجين غير مستغرب منه بناء ما يزيد عن الف جامع في مختلف نواحي بلاده السعودية المحافظات والمراكز فضلاً عن غيرها خارج وطنه السعودية . دعم المرافق التعليمية والصحية ما وسعه المسعى خدمة مجتمعية .
عرفتموه يا سادة ام مازلتم في عدم معرفته ؟ انه الشيخ/ سليمان بن عبدالعزيز بن صالح الراجحي له من أسمه نصيب ، ومن اسم أبيه أيضاً نصيب ، ومن اسم جده كذلك نصيب ، ومن لقبه الراجحي أيضاً نصيب . ميلاده بمحافظة البكيرية بمنطقة القصيم بنجد العذية بتاريخ ٣٠ نوفمبر عام ١٩٢٨م . نشأ أول حياته في مسقط رأسه في عائلة معدمة فقيرة ، لا يعيبها قلة المال باعتباره ظل زائل ، من عائلة محافظة في الدين والعادات . ترتيبه الثالث بين اشقاءه الأربعة في طفولته ألتحق بالدراسة الأولية ، وكان يميل للعمل والتجارة في أول حياته العملية عمل حمالاً وحارساً لبضائع التجار في السوق ، وجمع مخلفات نار الحطب ( الرماد ) من مشاب ومشاعل المنازل وبيعه على معامل اللبن من أجل خلطه بالطين وتلبينه من أجل تقوية لبنة الطين يوم كانت المنازل تبنى به ، ووقت الفراغ يتتبع اثار الإبل لجمع ما يسقط منها ثم بالبناء ، وهذه اكسبته خبرة بأحوال السوق والدراية بمعرفة التجارة . في حي المربع على الطريق الرئيسي أفتتح دكان صغير يبيع المنتجات الغذائية كالسكر ، والشاي والرز ، والمعلبات والحلوى والكبريت ، ويجلب بعض منتجات الحلوى من البحرين ، واستمر بالدكان قرابة الخمس سنوات ، وكان يتعهد الأرامل ، والايتام بما وسع الله عليه حتى نعت بحي المربع بأنه عائل من لا عائل له ، وقام ببيع الدكان من أجل تسديد تكاليف زواجه الأول ثم أنتقل لجده ، وعمل مع أخيه صالح الأكبر في محل الصرافة ، ويحمل الطرود والأمانات على ظهره ، ويوصلها إلى المطار قاطعاً مسافة عشرة اكيلاً من أجل توفير اجرة الحمال والنقل ، وتاجر بالأقفال والأقمشة ، ومواد البناء ، وتدرج بالتجارة متنوعاً ، وبتزايد الأرباح ونموها . قام باستئجار دكان صغير تحت مسجد عكاشة ، وبعد خمسة عشر عاماً من العمل مع شقيقه . اتفق الإثنين على تحويل الدكان شراكة بينهما عام ١٣٧٧ هجري .
استمرت الشراكة وخلالها قام بالدخول عالم العقار ، وبداء بالتدرج والتوسع ، وعام ١٣٩١ هجري إنهاء الشراكة من أجل يقوم كلاً منهما بالتركيز على اعماله الخاصة ، وظل يتدرج وينمو شيئاً فشيئاً حتى اكتملت شجرة مشروعاته ، وتؤتي ثمارها حين بعد حين ، وتتضخم الأموال في التوسع المصرفي والعقار ، ومن خلالهما أكتسب سمعة طيبة وثقة بين العملاء والتجار داخل وخارج البلاد السعودية ، وعام ١٣٩٨ هجرياً أتفق الأشقاء الأربعة على تأسيس شركة الراجحي للصرافة والتجارة يتركز مهامها في مجال الصرافة ، وبعض النشاطات المتعلقة بالعقار وموادالبناء .
أسس مؤسستين عملاقتين تجارتيين ناجحتين مصرف الراجحي التجاري ودواجن الوطنية بالإضافة حقول الإقطاع الزراعي ذات المساحات الشاسعة ، والاستزراع السمكي والربيان على سواحل بحار السعودية . عرف عنه أكثر المحسنين تبرعاً في الخدمات غير الربحية ، ومن كبار المتبرعين على مستوى العالم ، وأكثر رجال أعمال العرب سخاءً ، وله أوقاف خيرية باسمه ، ويمول قطاع التعليم والمرافق الخدمية ، ومبادرات تسهم في الأمن الغذائي ، والصناعي والاستثمار في تنمية المكان وبناء الإنسان . منزله ومجلسه وضيفته متواضعة لا يدخلها التبذير ، ولا الإسراف ، ولا يحب الشيلات فيه ، وبعيد عنها ، وعن الشعراء . اذا علم ان أحد المودعين بحسابتهم بالراجحي متوفي من خلال الوثائق الرسمية والشرعية وحسابه قليل وعدد أسرته كبيرة يدعمهم من حسابه الخاص ما فيه النصيب ، واذا مضى أكثر من سنه والحساب متجمد خاطب مصرفه الإمارة المحلية باشعاره لمعرفة وجوده من عدمه فقد يكون جاهلاً او ناسياً او متعرض لزهيمر او متوفي بخلاف المصارف الأخرى .
واقعة الشيخ سليمان والمدرس الفلسطيني فى سنة ( ١٣٥٩ - ١٩٣٩م ) لاحظَ مدرسٌ فلسطيني فى إحدى مدارس الرياض الابتدائية الحزنَ الشديد على وجه تلميذه السعودي..
فسأله عن السبب ..؟
فاخبره ان المدرسة تنظم رحلة ، ورسم الاشتراك ريال واحد ، ولكن أسرته فقيرة جدًا ، ولا تمتلك هذا الريال ، وبكل ذكاء عمل المدرس مسابقة جائزتها للاجابة الصحيحة ريال ... وبالطبع سأل التلميذ الصغير عن الاجابة فأجاب ، وأخذ الريال ، وفرح فرحة لا توصف ، وشارك في الرحلة .. لم يكمل التلميذ الصغير تعليمه بسبب فقره الشديد .. واشتغل حمّالاً للأمتعة مقابل نصف ريال فى اليوم .. ثم حمالًا لصفائح الكيروسين لانعدام الكهرباء فى ذلك الوقت .. ثم بائعاً في محل بقالة ..ثم طباخاً حتى أدخر 400 ريال فتح بها محل بقالة .. ثم فتح محل صيرفة لبيع وشراء العملات من الحجاج ... والله أكرمه وفتح عليه أبواب الرزق..
لا تستغربوا ياسادة حين اقول لكم ان هذا التلميذ ( سليمان الراجحي ) أسس "مصرف الراجحي" رأسماله يزيد عن مائة وخمسين ملياراً ريالاً سعودي ، ويعمل به مايزيد عن عشرة الاف موظفاً فى خمسمائة فرعاً ، وعرفاناً بجميل المدرس الفلسطيني لم ينسى موقف المدرس ، وإليكم ماكتبه عن هذا الموقف من مذكراته وكفاحه في مدرسة الحياة الاجتماعية . نقتبس منه بتصرف . تواصل بالبحث عن المدرس من خلال المدرسة ثم إدارة التعليم حتى عثر عليه ، وعرف مكانه ، والتعرف على أحواله ، والتقى به ، ووجده شاخ وبحالة صعبة يرثى لها بلا عمل ، ويستعد للرحيل ، فلم يكن ألا إن قال له بعد التعرف: لك في ذمتي دين كبير جداً منذ سنوات طويلة ، وامد بعيد جداً قال المدرس: بشدة ليس لي ديون على احد ، فقال الشيخ هل تتذكر طالباً أعطيته ريالاً لإنه أجاب كذا وكذا ؟ استرجع المدرس ذاكرته ضاحكاً قال: بلى ، فقال المدرس: أنت اذاً تبحث عني لترد ريالاً انصرم في تلك الأزمان الخوالي . قال الشيخ: نعم . لم ينس هذا التلميذ موقف المدرس الفلسطينى معه !! وبعد نقاش أركبه السيارة معه ، وذهبا ووقفا أمام فيلا جميلة ..
ونزلا ودخلا فقال الشيخ له:استاذي الفاضل هذة الفيلا سداد دينك مع هذه السيارة وأي راتب تطلبه مدى الحياة وتوظيف أحد أبناءك في المؤسسة .
ذُهل المدرس .. وقال "لكن هذا كثييير جدا" ..
فقال الشيخ له : صدقني ان فرحتي بريالك وقتها أكبر بكثيييييير من حصولي الآن على 10 من الفلل مثل هذه وما زلت لا أنسى تلك الفرحة"
هل خطر ببال هذا المدرس ان هذا الريال الذى أسعدَ به طفلاً صغيراً سيعود اليه فى اقسى لحظات حياته بالخير الوفير ليغير مجرى حياته الاجتماعية تماماً؟!!. .. إنه تمام الوفاء وكرمه .
انها التجارة مع الله ..
أعمل الخير فحتماً لن يضيع عند الله يوماً ستجده !!
الخير أبقى وإن طال الزمانُ به**والشرُّ أخبثُ . ما أعددتَ من زادِ . إذا كان هذا جزاء بشر لبشر .. فما بالنا بجزاء أكرم الكرماء والكرمين ، رب البشر ؟
جوازي الخير كثير ، وصنائع المعروف تقي مصارع السوء . ومن يكون له خبية مع الله يسوق اليه الخير عاجلا وآجلاً ، مصدقاً لقوله تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) الطلاق . آية ٢ - ٣ومايوفق للمعروف الا الموفق بتوفيق الله .