تتوزع جغرافية الدولة الإيرانية أكثر من قومية: (فارسية، وكردية، وعربية، وبلوشية، وأذربيجانية، وجيلاك، وتركمان)، وغيرها.. ماذا يجري اليوم بين هذه القوميات والعرقيات التي تعد قرابة السبعين مليون نسمة..؟ ماذا يجري منها وعليها..؟
من الواضح أن الكيل في عموم إيران قد طفح، وأن منظومة الجوع والمرض والعزلة والظلم والقهر التي جاءت مع الطغمة الخمينية خلال أربعين سنة؛ كل ذلك؛ أفقد الناس صبرهم، فخرجوا كارهين غاضبين، حتى وإن استخدم الطغاة حرسهم الثوري الإرهابي، فقتلوا النساء والأطفال، وسحلوا الشباب والشيّاب في الشوارع. ماذا يُنتظر من حكومات فاشلة؛ تسير على نهج تصدير الثورات للجوار، وتستهدف العواصم العربية لإذلال الشعوب، وتستخدم الأتباع والأذيال الأنذال من العرب؛ لتركيع واستعباد شعوبهم، وتصرف موارد الشعب الإيراني في التخريب والتدمير في أرض العراق وسورية ولبنان واليمن وغيرها من بقاع عربية؛ استجابة لعقدة كره العربي أينما كان ومتى كان، وهي دائبة على تهديد الأمن الإقليمي والدولي في البر والبحر والجو، في حين راح المواطن الإيراني؛ يدفع ضريبة هذه السياسات العدائية الهوجاء الحمقاء؛ من قوته وصحته ومستقبل أبنائه..؟
هذه نتيجة طبيعية، ونهاية محتومة، أن تنهض الشعوب من غفلتها أو غفوتها- فصبر الشعوب له حدود- وأن تنتصر للحق ضد الظلم، وأن تبدأ حياة جديدة ملؤها الأمل في مستقبل كله حرية وعدل وأمن:
إذا طمَحتْ للحياةِ النفوسُ
فلا بدّ أنْ يستجيبَ القدر
ليت طغاة طهران الفرس؛ وقفوا على الحكمة العربية في شعر عربي أصيل لأبي القاسم الشابي؛ الذي صدح ذات نزعة رافضة للطغاة، ولكن أنّى للفرس ذلك وهم يكنون -بل ويظهرون- الكره والعداء لكل مَن وما هو عربي. قال الشابي:
إذا الشعبُ يومًا أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدرْ
ولا بدَّ لليل أن ينجلي
ولا بدّ للقيد أن ينكسرْ
ومن لم يعانقْه شوْقُ الحياة
تبخَّرَ في جوِّها واندثرْ
كذلك قالت ليَ الكائناتُ
وحدثني روحُها المستترْ
ودمدمتِ الرِّيحُ بين الفِجاج
وفوق الجبال وتحت الشجرْ
إذا ما طمحتُ إلى غايةٍ
ركبتُ المُنى, ونسِيت الحذرْ
ولم أتخوف وعورَ الشِّعاب
ولا كُبَّةَ اللّهَب المستعرْ
ومن لا يحب صعود الجبال
يعش أبَدَ الدهر بين الحفرْ
فعجَّتْ بقلبي دماءُ الشباب
وضجَّت بصدري رياحٌ أخَرْ
وأطرقتُ أصغي لعزف الرياح
وقصف الرعود ووقع المطر
هذه أكبر وأوسع ثورة تنهض بها الشعوب الإيرانية ضد طغاتها وجبابرتها الذين أفسدوا أيما إفساد في الداخل والخارج. إن في الحالة الإيرانية اليوم؛ عِبْرة لمن أراد أن يعتبر. سجل الحكام المعممون في طهران؛ فشلًا ذريعًا في السياسة والاقتصاد على المستويات كافة الداخلية والخارجية. لم يعد هناك إيراني يثق في قادته الطغاة؛ حتى ولو ظل الأذناب في العراق واليمن وسورية ولبنان وغزة؛ والإخوان، وقناة الجزيرة، يزمرون ويطبلون للمعممين، ويرفعون صورهم في الميادين، ويخفون ما يجري من ثورة الداخل الإيراني، وهم الذين يتسقطون كل شاردة وواردة في الأقطار العربية لتأجيج الفتنة. أنبوبة غاز تنفجر في منزل مواطن إماراتي؛ تلفت نظر بعض القنوات، فتخصص للكلام عنها ما حجبته عن مظاهرات ملايين الإيرانيين في عشرات المدن الإيرانية، وما تجاهلته من استهداف الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية للمدن العراقية في الشمال والوسط. العدوان على الشعب العراقي لا يعني أذناب الفرس في قناة (المستغلة)، وقناة (الخُوار) وغيرهما من القنوات، وذيول الإخوان الشياطين، ولا حتى الأتباع في العراق نفسه..! يا للحسرة.. يا لهذا العار الذي يتعرض له العرب في ديارهم، ففي ربوع العراق وسورية ولبنان واليمن وغزة؛ ذيول تستنزف خيرات بلدانها، وتستقبل الاعتداءات الفارسية على أراضيها وهي ضاحكة، ترفع صور الخميني والخامئني وسليماني؛ وكأنها تقول هل من مزيد:
وكم ذا (بهم) من المضحكات
ولكنه ضحك كالبكاء
إذا كانت الحال اليوم في المدن الإيرانية؛ التي تنتفض ضد الطغاة؛ تستدعي التعاطف مع المغلوبين على أمرهم من العرب والكرد والتركمان والبلوشيين؛ وحتى من كثير من الفرس؛ فإن الحال في العراق وسورية واليمن ولبنان نتيجة للتدخلات الإيرانية؛ تستدعي البكاء حقيقة. الخمينيون وضعوا ثقلهم المذهبي والعسكري لتخريب البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمذهبية في الدول العربية الأربع، التي أخذ قادة إيران يتفاخرون من فوق المنابر في كل مناسبة؛ بأنهم يحتلون أربع دول عربية هي العراق وسورية ولبنان واليمن، ثم أضافوا إليها غزة. ما فعل الفرس كل هذا بهذه البلدان العربية؛ إلا لأن (رغالات ورخالات) من أبنائها؛ جعلوا من أنفسهم فُرْسًا أكثر من الفرس، فمهدوا لهم الطرق، لتفكيك البنى السياسية والاجتماعية، ونشر الفوضى التي حالت دون قيام الدولة اليمنية، ودعمت الفوضى في سورية، ومنعت انتخاب رئيس جمهورية في لبنان، وكذا الحال في العراق. هل دام البغي يومًا..؟ أو ساد البُغاة إلى الأبد..؟ قال النابغة الجعدي:
وما البغي إلا على أهله
وما الناس إلا كهذي الشّجر
ترى الغصن في عنفوان الشباب
يهتز في بَهَجاتٍ خُضر
زمانًا من الدهر ثم التوى
فعاد إلى صفرة فانكسر