بعض الناس ييأسون من تأخر الرزق، وعندما يتأخرون في حياتهم وطموحاتهم، وينظرون لمستقبلهم نظرة متشائمة، نظرة الحسرة على أنهم لم يتقدموا مثل أقرانهم، ولقد جلست مع شباب كثيرين يحدثوني على أنهم يستحقون في هذه الحياة أفضل مما هم فيه الآن ويقول أحدهم: أنا خريج كليات القمة ولم أعين في منصب ما أستحقه. وغيره يحدثني: أنا أريد أن أتزوج فتاة غنية وجميلة وعائلتها من ذوي المناصب في الدولة.
وهكذا بعض الشباب يتحدثون حتى الفئة غير المتعلمة.
يقول: لو أمتلك عمارات وأموال كثيرة.
وهكذا كل إنسان على هذه الأرض يحلم أن يكون كذا وكذا ويتمنى ذلك.
ولقد سمعت أحاديث كثيرة من ذلك النوع لبشر كثيرين من شباب وكهول وشيوخ من كلا الصنفين، رجال ونساء، ومن حق كل إنسان أن يحلم، وأن يتمنى، وأن يرتقي، وأن يكون في المكانة التي يستحقها.
والحلم لا بد أن يكون معه جد واجتهاد وعرق وخبرة؛ لأن النبي صلَّ الله عليه وسلم كان يعلِّم أصحابة ذلك، وذكر الله عز وجل ذلك في قرآنه الكريم؛ حيث قال:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ*فإذا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ.)
وقوله تعالى كذلك: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)
وبين رسول الله صلَّ الله عليه وسلم ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه عن المقدام بن معد يكرب الكندي عن النبي -صلَّ الله عليه وسلم- قال: (ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كان يأكلُ من عملِ يدِه) فالحديث صريحٌ في تفضيل العمل واستحبابه، وأن يأكل المسلم من عمل يده، وأنّ ذلك خيرٌ له من الأكل الذي يحصل عليه من سؤال الناس واستعطافهم.
ولقد روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلَّ الله عليه وسلم- قال: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ أَهْلِ مَكَّةَ) وهذا الحديث يشرح ويبين أن رسول الله وجميع الأنبياء كدوا وعملوا، وكانوا يأكلون من عرقهم وشقاهم، ولهذا على الإنسان ألا يجلس يتمنى ويترجى، ولا يكد ويتعب، يريد منصبًا أو عملًا أو وظيفة بدون جهد ومجهود وعرق، ولقد قال الشاعر في ذلك معبرًا:
دَبَبْتُ للمجدِ والساعون قد بلغوا
جَهْدَ النفوس وألقَوا دونه الأُزُرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهم
وعانقَ المجدَ مَن أوفى ومَن صَبَرا
لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه
لن تبلغَ المجد حتى تلعَق الصَّبِرا
وقال آخر
ما بالهوي ينال المجدَ آمله
منيعة صعبة المرتقي منازله
لا يدرك المجدَ من لانت مآكله
هذه المقدمة لا بد منها؛ لنعرف أن الإسلام يحث على الجهد والبذل في العمل حتى يرتقي الإنسان لما يريد ويبتغي.
ولا بد أن نعلم علم اليقين أن الرزق ليس هو المال فقط، إنما الرزق أوسع بكثير من أن يكون طعامًا وشرابًا، أو من أن يكون مالًا؛ لذلك إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، السكينة رزق، كما أن المال رزق، والجمال رزق، والصحة، والقوة، والرضى رزق، والحكمة رزق، والولد البار رزق، والفهم رزق, وحفظ القرآن رزق, والعلم رزق, وراحة البال رزق, وحب الناس رزق, قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) (269)
( سورة البقرة)
فأنت لست متأخرًا
لا بد أن نعلم أن الواحد منا إذا تأخرت عليه طموحاته، أي جاءته متأخرة؛ فعليه أن يعرف أن التأخر هذا هو وقت هذا الرزق والعطاء من الله تعالى؛ ولذلك ربما يتأخر الخير، وعندما يأتي يدهشك، ويكون أفضل مما سبق لا بد أن نكون على يقين أن هناك شيئاً ينتظر الإنسان منا بعد الصبر ليبهرنا وينسينا مرارة الألم.
لست متأخرًا سيأتي الخير في وقته المناسب، وسوف أكتب بعض الأمثلة على ذلك.
أحدهم أعزب، وتزوج وعمره 21عامًا، ثم أنجب بعد عشر سنوات.
والآخر تزوج وعمره 30 عامًا، ثم أنجب بعد سنة فهي هي.
وإحداهن تزوجت في عمر 22 وزوجها أشقاها.
وأخرى تزوجت في عمر 34 وزوجها أسعدها.
أحدهم تخرّج في الجامعة في عمر 22 سنة، وانتظر خمس سنوات ليحصل على وظيفة.
وآخر تخرج في عمر 27 سنة، وكان حلمه الوظيفي في انتظاره فور تخرجه.
أحدهم أصبح مدير شركة في عمر 25 وتوفي في عمر 45.
آخر أصبح مدير شركة في عمر 50 سنة وتوفي في عمر 90.
فـعمل في “توقيته” فقط.
أحد زملائك أو أصدقائك، أو أحدهم أصغر منك سنًّا قد “يُصوّر” لك أنهم متقدمون عليك أو متأخرون عنك.
اعلم أنك لست مُتقدّمًا على أحد، وفي ذات الوقت لست مُتأخّرًا، أنت فقط تعمل في “توقيتك” الذي وقّته الله لك. عش مرتاح البال، مُطمئن الحال. الزمن وسيلة بيد الله، يسيره كيف يشاء، ويمنحك ما شاء متى ما حان توقيته لك. كل شيء عنده بمقدار.