كل أحدٍ على وجه هذه المعمورة ومهما دنا شأنه في نظر الآخرين إلا أن له دور في هذه الحياة وقيمة عند من ائتمنه على هذا الكوكب ، وجُلنا قد لا يعلم الحكمة التي أرادها الله لهذا المخلوق ، وخصوصاً من مال عليه الزمان وكبُرت عليه المشقة وقل قوتهم وزادت حاجاتهم فننظر لبعضهم بعين الإزدراء بسبب حاله و شكله أو لونه و لباسه بل ويتعالى بعضنا على مثل هؤلاء الضعغاء المساكين ، ويغتر البعض الآخر بصلاته أو تعبده أو بعقله ورأيه أو بمنصبه وماله وغِناه وسُلطانه وكأنه هو المتصرف والمحترف والعبقري الذي أوصل نفسه لهذا الأمر وهذه المكانة وكأنه يتحدث بلسان قارون ( إنما أوتيته على علمٍ عندي ) .
وما علم ذاك المسكين بأن أمره بين الكاف والنون وتضيع كل تلك الأماني والأمنيات وتنقلب الحياة رأساً على عقب فيكون أسوأ حالاً مما رأى وسمع في حياته فيجري عليه كتاب الله كما جرى على غيره من عباده الضعفاء .
قال الله تعالى :
( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ )
فإذا كنت في نعمةٍ من ذلك كله فيجب عليك شُكر المنعم سبحانه والتواضع مع البشر فما تدري ما تُخبي لك الليالي والأقدار فكم صاحب نعمة أفتقر مالاً وعيالاً وأهلاً وخُلقاً وديناً بين عشيةٍ وضحاها ، وكم ضالاً ألهمه الله رُشده بلمحة بصر وأنعم عليه بنعمه وأصبح أفضل حالاً وأقرب إلى الله من خلقٍ كثير . قال الله تعالى :
( فَٱنقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍۢ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوٓءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ )
فتقدير ما أنت عليه من فضل الله وكرمه بالشكر والعِرفان يتوجب عليك حُسن الخُلق والتواضع والتعامل والصبر والأناة والحكمة و العدل والإنصاف حتى من نفسك ، وهذه من شُكر المنعم على نعمه ليس لفظًا باللسان وإنما قولاً وفعلاً بالجوارح لتدوم النعم .
قال الله تعالى :
( لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )
فلا تأخذك العزة بالإثم وتقترف من الأخطاء ما قد تدفع ثمن ذلك عاجلاً أو آجلاً ، فلا تغرنك الحياة وزينتها وإقبالها فإنها سريعة الإدبار والفَناء فلا يبقى إلا طِيب الأثر .
قال الله تعالى :
(فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ )
بقلم
عائض الشعلاني