أسفرت زيارة رئيسة مجلس النّواب الأمريكي نانسي بيلوسي الى تايوان مؤخرا عن تأجيج العلاقات الثنائية بين الصين وتايوان, بل وأدّت الى تشنّج الوضع السياسي وتصعيد التّوتر في العلاقات الدبلوماسية, كما وأسهمت في اندلاع حرب اعلامية بين الصين وتايوان من ناحية وبين الصين والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى نتيجة لتوقيت الزيارة و رفض أو تجاهل الادارة الامريكية تحذيرات حكومة بكين لواشنطن بعدم قبول هبوط طائرة الوفد الأمريكي في مطار تايبيه و لقاءه بمسئولين في جزيرة تايوان التي تعتبرها الصين جزءا لا يتجزأ من الأرض الصينية رغم ما تتمتّع به تايوان من حكم ذاتي لا يزال خاضعا للحكومة الشيوعية المركزية في بكين منذ العام 1949 عندما فرّ الزعيم الصيني تشيانغ كاي شيك مع رفاقه في أعقاب الحرب الأهلية الصينية الى تايوان حيث جعلوا من هذه الجزيرة مركزا ومقرّا لحكومتهم وأنصارهم بينما بدأ الشيوعيون المنتصرون حكم البر الرئيسي باسم جمهورية الصين الشعبية.
حاولت تايوان منذ ذلك الحين الانفصال والاستقلال عن الصين غير أن محاولاتها لم تنجح نظرا لقوة الصين العسكرية وهيمنتها على مجريات الحياة الاقتصادية والشئون السياسية في الجزيرة ما جعل حكومة تايوان تستعين بالولايات المتحدة الأمريكية للدخول معها في تحالفات تتمتّع بموجبها تايوان بالحماية والدّعم العسكري الأمريكي ضد الشيوعيين الذين هزموا القادة المنشقّين بداية الحرب الأهلية بينهما.
وقد أعلنت الولايات المتحدة الامريكية مؤخرا التزامها بدعم تايوان والوقوف الى جانبها ضد التهديدات الصينية الأمر الذي أزعج الحكومة في بكّين و زاد من مخاوفها حول تكرار سيناريو الحرب في أوكرانيا ونقله الى تايوان, وبالتالي فان نسخة السيناريو التايوانية تتضمّن استعداد تايوان للدخول في أرض المعركة بالوكالة التي منحتها اياّها دول حلف شمال الأطلسي الذي يرى في الصين قوة نووية وخصما عنيدا يشكّل الى جانب روسيا خطرا محدقا بدول التحالف لا سيما الدول الشرقية من أوروبا وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية الحليفتان للولايات المتحدة الأمريكية.
ومثلما انزلقت روسيا في مستنقع الحرب مع أوكرانيا, فان الصّين - في حال تورّطت بمهاجمة تايوان- سوف تغرق هي الأخرى في حربٍ ضروس لها تداعيات كبيرة وخطيرة على الاقتصاد الصيني وعلى قوّته النووية والصاروخية, وهو ما تسعى الدول الغربية لتحقيقه من خلال زيارة بيلوسي لكل من تايبيه وسيول وطوكيو.
من كل هذه المعطيات يتّضح أن الدول الكبرى تلجأ في مرحلة أولى الى الحرب بالوكالة نظرا لكونها أقل تكلفة على موازنة الدّولة التي تُشنّ الحرب نيابة عنها دون أن تتورّط هذه الدولة فعليا في ساحة المواجهة العسكرية المكلفة جدّا على اقتصادها والمثيرة لأزمات داخلية حادّة.
وبالإضافة الى تفادي خسائر الحرب الاقتصادية, فان الدول الكبرى قد تستعين بدول صغيرة تجد نفسها في حاجة ملحّة لحمايتها من خطر ابتلاعها وضمّها بالقوة العسكرية كما فعلت روسيا عندما ضمّت جزيرة القرم الأوكرانية واعترفت بانفصال واستقلال اقليم دونيتسك عن أوكرانيا مما أضطر الحكومة في كييف الى قبول الدخول في الحرب نيابة عن الغرب مقابل الدّعم العسكري والمالي من جانب دول حلف الأطلسي على أن تطيل أوكرانيا أمد الصراع مع روسيا لتحظى على الأقل بالبقاء على خارطة العالم.
وبعد زيارة بيلوسي, ها نحن نشاهد اليوم سيناريو الحرب ذاته يتكرّر في تايوان التي تحاصرها المناورات والطلعات الجوية للطائرات والصواريخ الصينية اضافة الى فرض بكين عقوبات اقتصادية على تايوان احتجاجا على الزيارة ممّا ينذر باندلاع الحرب ودخول تايوان عسكريا في المواجهة مع جمهورية الصين الشعبية نيابة عن حلف شمال الأطلسي ذاته الذي يسعى منذ أمد بعيد الى كبح جماح القوة الصينية المتزايدة واضعاف اقتصادها بشكل عام.
و كمراقب للشأن الدّولي, فان هذه الوكالات ليست حديثة عهد, اذ نعلم أن ايران كانت أصدرت وكالات لعدة جهات في الشرق الأوسط مثل حزب الله في لبنان وما يسمى بأنصار الله او الحوثيون في اليمن اضافة الى اصدار وكالات للحشد الشعبي وعصائب أهل الحق وفصائل أخرى مسلّحة في العراق وسوريا لشن هجمات عسكرية نيابة عنها بهدف زعزعة الاستقرار في هذه المناطق واضعاف الوحدة الوطنية فيها و ضمان تبعيتها لطهران كما في سوريا ولبنان.