الحمدلله جعل العقول نورا وبصيرة وجعل الجهل ظلمة وضلال والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ثم أما بعد
كثر في هذه الصيفية التوثيق بين الزوجين في الحقوق بسبب الانفصال وطغت الأمور المادية على الحياة الزوجيه والعاقل من ينهي الأمور قبل أروقة المحاكم.
والحقيقة التي تقال بأن سوق المحامين هذه الأيام رائجاً بين إثبات حق وترافع في قضايا الأحوال الشخصية بين خلع وفسخ وإثبات طلاق وحضانة ونفقة ...
بالأمس القريب زارني بالمكتب رجل عاقل عمره بين الخمسين إلى الستين دفع لي ثمن استشارته وكان الخلاف قد وصل بينه وبين شريكة حياته للانتهاء.
متفقين راضين بالانفصال دون الوصول إلى المحكمة حاولت أن أطرق بابًا للإصلاح فكانت كل الأبواب مرتجة موصدة
ضربت له موعدا لانتقل إلى منزله بحضور زوجته لأوثق الطلاق والحقوق والنفقة وأقسم البيت العامر قسمين له ولها
دخلت البيت بيت الكآبة والحزن، بيت كله خراب وإن كان مفروشاً من أرقى المحلات وبه أغلى التحف واللوحات والمداخل والشلالات والفناء وتنسيق المزروعات.
دخلت مجلس الرجال فأبهرني كمجلس الملوك في فخامتة وحسن تنسيقه كجمال ألوانه وروعة أثاثه. وما هي إلا دقائق جهزت فيها جهازي لأكتب ورقة الفراق لتدخل علينا إمراة بكامل حجابها وسترها وتجلس لأطلب هويتها وهوية الزوج ويبدأ النقاش نقاش بداية النهاية ....!
تعتلي الأصوات وكل منهما يقول هذا لي وهو حقي وذاك تعبي ويتبادلان الاتهامات بالظلم وضياع الحقوق والسرقة والتقصير وبدأ النقاش المرير الذي تحفه عين السخط التي تبدي المساوىء وفي هذه الأثناء وأنا أسكت الزوج تارة وأسكت الزوجة تارة وقد تقطعت بينهم كل حبال المحبة والمودة والرحمة، وإذا بالباب يدفع بقوة وكأني بمسرح أرى مشهداً درامياً عندما دخل علينا أصغر أبنائهما وهو صبي في الخامسة عشرة من عمره مندفعاً في حركته وكلامه وهو يقول :
كفاية يا أبي كفاية يا أمي أنا ابنكما من حقي عليكما أن أعيش بينكما كأي شاب أنعم بتربية حسنة فلماذا تكتبا علي الضياع ....
ثم يخرج من خلف ظهره سكيناً محاولاً أن يدفعها إليهما وهو يقول اقتلوني قبل أن تتفرقا إذا اختصمتم على البيت ونسيتم من يسكن البيت فأخلوا البيت أولى مني ومن أخواتي اللاتي خلف هذا الباب قوما بنحرنا بهذه السكين هنا قبل قسمة هذا البيت
تقوم الأم لتنزع السكين من يد طفلها وهي تحتضنه وتبكي والتفت للأب وإذا هو يمسح دموعه ويحتضن بناته لحظة دخولهن في مشهد مؤلم يعلوه النشيج والأم جاثية على ركبتيها ، وأنا في حيرة عم ينتهي إليه هذا الموقف ...
انتظرت وأنا في ذهول لا أعرف كيف اتصرف ولا أدري كيف أخرج وإذا بالأم وقد تبلل غطاء وجهها بالدموع وانخفض صوتها العالي تقول لي يا شيخ سجل أني متنازلة عن كل شيء من أجل أولادي، واذا بالزوج يقول نفس الكلام أن أكتب كل شيء لأم العيال وأنا ضيفهم إن أحسنوا فلهم وإن أساءوا فعليهم ثم يقبل رأس زوجته ويساعدها للقيام من على الأرض وقد عجزت .
هذا مشهد لن أنساه كتبته وقد انقضت بعض الجوانب ولكن هذا ما يدور في أروقة المنازل الانفصال دون التفكير في الأبناء والبنات أنانية في التفكير وحب للذات فهل من متعظ؟
نسأل الله أن يديم المعروف وآخر دعوانا أنِ الحمدلله رب العالمين
كتبه من حضر المشهد ودون أدوار المسرح الحقيقي بلا مخرج في يوم الاثنين لخمسة أيام بقيت من عام ألف واربعمائة وأربع وأربعين للهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وسلام.