في تجربةٍ قُمت بها مع أسرتي وأولادي بأن نقطع النت باستثناء الاتصال العادي فقط ولمدة خمسة أيام كاملة وقبلنا جميعاً التحدي ووضعنا أجهزة النت في صندوق وتم إغلاقه بالقفل وأخذ مفتاحه معي ، حيث قمنا بشراء جوالات من النوع العادي الذي لا يمكن أن يشتغل سوى اتصال أو رسالة نصية للعمل أو الاتصال فقط .
في البداية وبعد إنتهاء الساعات الست الأولى فقد كانت مملة إلى أقصى حد ثم جاء الليل وتسامرنا قليلاً فكان حديثنا عن الجوال والنت والحياة وعند اقتراب الساعة الثانية عشر ليلاً ذهب كلاً منّا لفراشه فخلدنا
إلى النوم .
وما أن نادى المنادي لصلاة الفجر إلا والجميع يقوم للصلاة من أول منادة ( الصلاة الصلاة )
فأدينها في المسجد مع تأخر أحدهم إلاّ أنه صلى أخيراً في المسجد ، وعند عودتنا إلى البيت رأيت أن الجميع يرقبون بعضهم البعض وأيديهم في جيوبهم وكأنهم يبحثون عن شيئْ ما مفقود ، لالا.. المهم العزيمة العزيمة والصبر الصبر .
فعاد كلاً منا لفراشه وعند الساعة السابعة صباحاً أحسست أن الأصوات والحركة تأخذ وضعها الغير عادي فقمت من فراشي لأستطلع الأمر فإذا هم يعدون لطعام الإفطار والكل نشط فتراهم سوياً في المطبخ وهنا من يأخذ السفرة ليضعها في مكانها المعتاد وهناك من ينقل أطباق الطعام ، وآخرين تعال يافلان ، حط هذه وشيل هذهِ ، .
المهم أن البيت خليّة نحل ليس هناك داعي للمناداة لمرتين فالجميع جاهز وبالقرب من الآخر .
وعند الظهيرة وبعد نهاية الدوام لا يمنع أن يرتاح من يريد الراحة إلى صلاة العصر ، ثم العودة لمجلس العائلة وهناك نجتمع على القهوة والحلا والشاي والمكسرات فتأتي الذكريات والسواليف تِباعاً وتعلو الضحكات والتعليقات والمزاح فينقضي الوقت دون أن نشعر به ثم يحل المساء فالتسامر حتى يحين النوم وهكذا انقضت الخمسة أيام بلياليهن كلهن متعة وأنس وضحكات وحب ووئام وتعاون وتكاتف وأصبحنا نشعر ببعضنا ونكثر السؤال عن فلان تأخر عسى ماشر وما أن يُطرق الباب حتى تعلوا الأصوات ، من بالباب ، ثم بعدها تهل التراحيب بمن حضر فكانت أيام وليالي جميلة أرجعتنا إلى الماضي الجميل بكل تفاصيله .
بالطبع مع كل تجربة لا بد من الخروج بشيء من الدروس فكانت النتائج التالية .
الوقت يمضي وتسرقنا وسائل التواصل بدون فائدة تُذكر .
الحرص على القيام بأداء الواجبات والمنوطة بكل فرد .
سمعنا المآذن في وقتها وأدينا الصلوات في الجماعة .
اكتشفنا المواهب و الأفكار لدى البعض .
تعرفنا على أنفسنا أكثر فكان الإهتمام والود والوئام بين أفراد الأسرة .
بعض المشاكسات والتي لا تخلوا من العصبية ثم تقليد بعضهم البعض فتنتهي بحكم الأب أو الأم وبعد ذلك التسامح .
جمعنا التلفزيون في غرفة واحدة ورجعنا للكتب القديمة نقرأها ونزيل ما علق بها من أتربة .
أستعدنا الكثير من الذكريات والكثير من القصص والحكايات .
كثرة الاتصالات بين الأهل والأحباب والأقارب عندما فقدونا من وسائل التواصل الأخرى .
تبون الصحيح استمتعنا واتفقنا بأن نعيد الكرة مرةً بعد مرة .
بقلم
عائض الشعلاني