لحظات الشروق المبهجة ولون البحر صباحا واستيقاظ أفراد أسرتك وقدرتك على تناول طعامك والتلذذ به ..كلها تفاصيل
تتواجد في حياة كل واحد منا
لكن بعضهم يعتبرها حقا مستحقا ،وبعضهم يتوقف عند التفاصيل شاكرا ..
هذه القدرة على رؤية التفاصيل هي ما تفرّق بين الإنسان المتفائل والمتشائم ..
هذا الفرق هو ما يجعل أحدهم يجلس بين أبنائه يلاعبهم ويلاطفهم كل يوم بلا ملل ..والآخر يرى هذا الحدث اليومي نوع من الروتين القاتل ..
إن تسارع الحياة وحصرها في لقطة وصورة ننشرها على وسائل التواصل الاجتماعي جعل كثيرا من الناس يظنون أن الحياة هي هذه اللقطة...
فأصبح الطعام الممدود كل يوم على موائدنا روتينا مملا نرجو استبداله بالمطاعم
ومنازلنا التي تأوينا هي مكان نطمح لاستبداله بالفنادق والمرافق الباهظة..
وتستمر الحياة تركض أمامنا ونحن نركض خلفها لاهثين وننسى كيف أن التفاصيل اليومية هي ذكريات سنتمنى عودتها بعد أعوامٍ قادمة ..
لذلك أحب حكايات جدي كثيرا وهو يخبرني عن آماله التي رحلت وولت وعيناه تذرفان بالدمع كلما تذكرها ..
إنها هي هي الحياة التي أعيشها اليوم .. والشباب الذي فقده ..والصحة التي ضعفت ..والسعادة التي ذهبت مع من ذهبوا
الذكي فقط هو من يفهم قيمة التفاصيل ..
قيمة فنجال قهوة تتشاركه مع من تحب..أو مكالمة مملة يومية ستسمع فيها نفس التفاصيل ..أو أيام تشبه بعضها بعضا..
تأمل صورك من عشر سنوات وانظر لكل شيء في هذه الصورة
خزانة ملابسك القديمة ...ملابسك التي كنت تضجر منها ..ابتسامتك الطفولية ..
أحبابك الذي رحل أغلبهم من تلك الصور أو بلغ بعضهم من الكبر عتيا ولم يعد قادرا على أن يركض خلفك ...
إذا فهمت ماذا أقصد فستعلم أن حياتك اليوم هي ذكريات الغد ...
إنه فنٌّ يا صديقي يسمى: القدرة على الاستمتاع بالتفاصيل ...
فليس أغبى من المتأفف من التفاصيل وكأنه سيعيش في نفس حياته خالدا مخلدا.
فالأيام قد علمتنا كيف تتغير وكيف تتسارع إلى التبدل ..وسرعان ما يكون قديمها ذكريات تحن لها الأفئدة