خرجت إلى هذه الدنيا لأجد نفسي يتيما لا أب يواسيني ولا أم تضمني إلى صدرها إلى صدرها الحنون لم أجد عطفا كأي طفل في عمري فقد مات أبي وأنا في الثالثة من عمري كانت ملك أختي الوحيدة التي لم يكن لي غيرها ، عندما مات أبي وهو ابن التاسعة والعشرين كانت أمي في الثالثة والعشرين من عمرها ، كانت لا تزال في مقتبل العمر وريعان الشباب أراد جدي لأمي أن يتزوجها أحد أعمامي فهي لا تزال صغيرة بحاجة إلى رجل تعيش في كنفه وكي يقوم بتربية أبناء إخوته الا أن أعمامي رفضوا جميعهم ، عندما مات أبي خلف لنا قطعة ارض كنا نقتات من خيرها وبيتا صغيرا .
لم تطل أمي في حياتها كأرملة وتقدم ابن عمها لخطبتها والزواج منها قبلت أمي الزواج به على الفور ، وليس هذا جرما فقد فعلت شيئا يقره الشرع الحنيف والدين القويم الا أنها تخلت عنا ، نعم تركتنا وقد تجرد قلبها من الرحمة ، لا أنسى هذه الليلة وأنا لازلت طفلا صغيرا عندما كانت الليلة شاتية شديدة البرودة وقد فتحت أمي الباب وأخرجتني أنا وأختي من البيت لنكون في العراء.. ضمتني أختي الى صدرها وجلسنا نبكي سويا لما نحن فيه وبعد عدة ساعات غلبنا النعاس من شدة البكاء والبرد فنمنا خارج البيت فلم نستيقظ الا وخالتنا تصيح ما بكم؟ لماذا تنامان هنا ؟ هل جلستم تلعبون حتى أدرككم النعاس في الشارع ؟
الا أن أختي قاطعتها : لا
يا خالة لم نكن نلعب بل أمي التي أخرجتنا وأغلقت الباب طرقت خالتي الباب بمنتهى العنف وقامت بتوبيخ أمي وتوجيه اللوم والعتاب الصارم لها وعلى إثر ذلك العتاب الشديد أدخلتنا أمي إلى البيت وهي غاضبة منا ، كانت أمي لا تريد بقاءنا في البيت لأنها تريد الزواج من ابن عمها ، بينما هولا يريدنا معها حتى لا يتحمل عبء تربية أبناء ليسوا أبناءه. بعد شهور قليلة تزوجت أمي من ذلك الرجل وقد اخذنا جدي لابي كي نكون معه ، لا انسى هذا اليوم فقد ضمنا جدي لصدره وعيناه ممتلئة بالدموع وأخذ يربت على كتفي أنا وأختي ويمسح على رؤوسنا ويقول " إن كان الله أراد أن تحرما من أبيكم في هذه السن المبكرة وأرادت أمكم أن تترككم فلن أتخلى عنكم طالما لدي قلب ينبض والحمد لله فإن قبض ولدي في ريعان شبابه فقد أبدلني به اياكما فله الحمد إن أخذ فلكم أعطى كان جدي كبير السن منحني الظهر يتكئ على عصاه لكنه كان ملجأنا وملاذنا كان بمثابة السند والظهير كان عوضا لنا عن أب لم نره وأم فضلت أن تتركنا لتتفرغ لزوجها وحياتها الجديدة كبرت أنا وأختي عند جدي أصبحت في الثامنة وأختي في الثالثة عشر لنستيقظ ذات يوم فلم نجد جدي مستيقظا كعادته فهو دائم النشاط مذ يقوم لصلاة الفجر لا ينام ثانية ويقوم على الرغم من تقدم سنه بتجهيز أغراضنا في هذا اليوم لم يستيقظ قالت أختي أيقظ جدك بينما أقوم أنا بإعداد الإفطار دخلت لي جدي لإيقاظه ناديت عليه لم يقم جعلت أنادي جدي جدي ما رد وكنت من قبل إذا ناديت حتى أختي أثناء نومه استيقظ لكنه لم يستيقظ
هذه المرة ناديت أختي :ملك جدي لا يرد لم نعلم ماذا حدث ؟؟؟
ذهبت إلى بيت عمي أخبرته بما حدث ليأتي مسرعا وينادي ويصرخ أبي أبي لكنه بكى وانتحب وسمعته يقول إنا لله وإنا اليه راجعون لم أفهم جيدا عما بتحدث أخبرني بأن جدي قد مات سألته ببراءة هل ذهب ليحضر أبي ؟ ضمني إليه وبكى كثيرا . كانت أختي أكثر مني دراية حيث وجدتها تبكي بحرارة وتصرخ وقد احتضنتني بقوة وهي تقول لي محمد لقد رحل جدنا حيث لا رجوع انتهت أيام العزاء وكانت بداية أيام شقائي أنا وأختي حيث أخذني عمي" علي" لكي أعيش عنده مع أبنائه أما أختي فقد أخذها عمي محمد لكي تعيش معه بكيت كثيرا أخبرتهم أني أريد أن أعيش مع أختي في مكان واحد الا أنهم لم يعيروا لكلامي انتباههم عشت في بيت عمي على كان لديه ابنان وثلاثة بنات وقد كان "أحمد" ابن عمي في نفس مرحلتي العمرية كما في الصف الثالث الابتدائي وجدت معاناة كبيرة في الإقامة لدى عمي فقد كنت أشبه بخادم يعيش مع سيده لقد كنت أعمل عندهم في حقلهم مقابل الطعام الذي أتناوله ولم يقف الامر عند هذا فحسب بل انه أحيانا يدفع بي للعمل كأجير عند الناس ليأخذ أجري ولا يعطيني منه شيئا .
للأمانة كان عمي طيب القلب الا أن زوجته هي التي كانت تتحكم في البيت وبيدها القرار وصلت للصف الرابع الابتدائي أنا" وأحمد" ابن عمي الذي لم يكن يحب الدراسة وكان تحصيله الدراسي ضعيفا جدا وقد كانت زوجة عمي تستشيط غضبا لما تجد درجاتي تفوق بشكل ملحوظ درجات ولدها" أحمد" حتى جاء اليوم الذي تحطمت فيه حياتي كلها عندما رسب "أحمد" ابن عمي في الصف الرابع .
نعم رسب ابن عمي لكن حياتي أنا التي تحطمت فقد قرر ابن عمي عدم استئناف الدراسة ومع قراره هذا قررت أمه ألا أستأنف أنا دراستي أيضا توسلت إليها بكيت كثيرا وعدتها ألا أكلفهم شيئا من تكاليف دراستي .
قلت لها :ألا تأخذين أجري وأنا أعمل في حقول الناس ، سأجتهد في العمل بعد مدرستي لن أمكث في البيت سأعمل في الحقول لدى الناس . سأبذل كل جهدي أرجوك أرجوك أريد استكمال دراستي . لكنها نهرتني وقالت لي لن تكمل الدراسة بعد أن انقطع ولدي .
ألا يكفي أني أقوم بتربيتك بعدما تركتك أمك ؟كانت هذه العبارة أشبه بسياط تلهبني ألما ذهبت إلى عمي أتوسل إليه لكنه لم يغير ما عزمت عليه زوجته منعوني من الدراسة وصرت أجيرا لدي كل من يدفع أجر عملي الا أنني لم أحصل يوما على أي مقابل مالي من عملي أردت يوما أن أبقى في البيت أستريح ضربتني زوجة عمي حتى سال الدم من وجهي ولم ترق لدمي الذي سال وأكملت ضربها وسبها خرجت ومسحت الدم عن وجهي ولم تكن أختي في بيت عمي الآخر بأفضل مني حالا حيث كانت هي الأخرى كالخادمة تعمل طوال اليوم ولا تجد حتى كلمة طبية ويكتفي عمي الآخر بأنها تعيش عنده .
لم أنس هذه الأيام كنت أختلس الوقت لأذهب لأختي أجلس معها وأراها كنت حريصا ألا أبين لها ما أنا فيه من ألم وذل وهوان حتى رأت أثر الجرح الذي ظل في وجهي الناتج عن ضرب زوجة عمي لي سألتني ما هذا يا محمد؟ من الذي تشاجر معك ؟ لم أجب وخفضت رأسي لأدخل في نوبة من البكاء الهستيري :إنها زوجة عمي علي لقد أبرحتني ضربا عندما قلت لها أنني أريد أن أستريح يوما بدون عمل ضمتني أختي إلى صدرها وقالت سامحك الله يا أمي أنت من أوصلنا إلى هذا الذل والهوان جففت أختي دموعي طلبت مني التجلد وقالت لي : محمد أنت رجل لابد أن تكون صلبا وأن الله لن يضيعنا .
طلب زوج أمي منها أن تعطيه الأرض لكي يتصرف فيها ولا زلنا نحن قاصرين لا يحق لنا أن نأخذ إرثنا كانت هي الواصية علينا وبالفعل فعلت ما أراد زوجها فقد تواطأ معهم أحد العاملين في محكمة الأسرة لتكون واصية علينا وتتصرف في إرثنا الذي باعته كله لزوجها وأعطته العقود بذلك ليأخذ مالنا ولا يصبح لنا من إرث أبينا الا البيت الذي كنا فيه لم تكن معانتي عند هذا الحد ، كان يوم العيد الذي ينتظره الأطفال للعب واللهو من أكثر الأيام التي لا أريدها لا زلت أذكر ليلة العيد وزوجة عمي قد اشترت ثوبا جديدا لولدها" أحمد "وحذاء جديدا وقد قامت بغسل ثوبه القديم ومسح حذائه وتعطيني إياها: خذ هذه البسها في العيد كان هذا التصرف يدمي قلبي كنت كثيرا ما أتساءل: لو كان أبي حيا هل كنت سأحيا هذه الحياة المذلة ؟ لم يكن لدي من يحنو علي الا شخصا واحد هو خالي "حسن" ذلك الرجل الذي يحمل قلبا عطوفا به من المحبة ما يكفى آلاف البشر كان يأتي إلي في العيد ويواسيني بماله وكان عمي علي يعطيني أيضا في العيد بعض المال كنت أنتظر خالي على أحر من الجمر فلا أكاد أشعر بأني انسان الا إذا رآني فقد كان يمسح على رأسي ويقبل جبيني ،وآخذ المال وأذهب به مهرولا إلى أختي كي أعوضها عن أبيها الذي فقدته ومرت السنون بنا حتى مللت من الذل والهوان والمعاملة القاسية التي أجدها عند عمي حتى تركت البيت وذهبت إلى بيت أبي الذي تركه لنا وكانت أختي تعد لي الطعام وتأتني به على عجل من أمرها .
بلغت السادسة عشر من عمري وأنا أرى أيام عمري تمر ولا أجدني الا أجيرا لدى أهلي ولا أعامل على أني إنسان أراد عمي تزويج أختي لابنه لم يكن لنا أن نقبل أو نرفض كان الأمر لمجرد العلم لا أكثر أتم عمي زواج أختي من ابنه وعندئذ صممت على إثبات نفسي .
أخذت على نفسي عهدا أن يعلم الجميع أني ذا إرادة قوية وهمة عالية وطموح منقطع النظير خرجت من قريتي متجها إلى العاصمة . أخذت على نفسي عهدا ألا أعود الا وقد أصبحت ذا شأن والا فلا حاجة لي فالعودة فما معنى أن أكون ذليلا بين أهلي .. إن الظلم والامتهان مرير على النفس عامة ،،الا أن مرارته تزيد عندما يكن من الأقارب ،،وقد اقل الشاعر :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة لدي المرء من وقع الحسام المهند اتجهت الى العاصمة وقد أخذت على عاتقي وصل الليل بالنهار من أجل تحقيق حلمي لم يكن لي أحد أعرفه هناك ولا حتى مكان أبيت فيه انطلقت وأملي أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا وقد أحسنت إذ رفضت المكوث في الذل والهوان انطلقت الى شارع ممتلئ بالمحال التجارية وأخذت أسال كل صاحب محل عما إذا كان يرغب في عملي عنده في بادئ الأمر لم أجد حتى أدركتني صلاة العشاء دخلت المسجد صليت أطلت البقاء في المسجد أناشد الله أن يوفقني الى سواء السبيل حتى جاء عامل المسجد يخبرني بأنه يريد إغلاق المسجد فسألته :
هل يمكنه السماح لي بالمبيت في المسجد ؟تعجب الرجل من طلبي .
وأخبرني أنه ممنوع .. ثم سألني هل أنت على خلاف مع والديك ؟ قلت له لا. فتعجب من إجابتي وقال لي إذن لماذا تركت البيت ؟ فـأخبرته أني قدمت من قريتي التي ولدت بها وهي في محافظة أخرى كي أبحث عن فرصة عمل فهنا العاصمة ولا شك أن فرص العمل فيها تكون أكثر وأجدى .اعتذر لي وأخبرني أنه متعاطف معي لكنه لا يستطيع أن يتركني أبيت في المسجد ابتسمت وقلت له لا داعي للاعتذار وادع لي أن أجد فرصة عمل أو مكان أبيت فيه .
خرجت من المسجد وظللت أبحث فإذا محل مكتوب عليه "مطلوب عامل "شعرت بانفراجه وتمنيت أن أوفق فيه دخلت لصاحب المحل إذا به رجل تبدو عليه علامات الصلاح أخبرته بأني أحتاج إلى عمل فقبلني على الفور وحدد لي راتبا شعرت بالفرحة تغمرني وعلمت بأن الله شاء أن تذهب أيام شقائي طلبت منه أن يسمح لي أن أبيت بالمحل فسألني لماذا ؟ أخبرته بأني ليس لدي مكان أبيت فيه . طلب مني إثبات هويتي أعطيتها إياه وقلت مطمئنا له دعها معك حتى تأتيني في الصباح وليكن هذا دأبنا حتى أجد لي سكنا عندما جاء صاحب المحل في الصباح وجدني قد قمت بترتيبه وتنظيفه وفتحت مبكرا فتعجب وقال لي : ظننتك نائما ابتسمت وقلت له يا سيدى
أنا أستيقظ لصلاة الفجر ولا أنام بعدها" والبركة في البكور" سعد الرجل كثيرا من كلامي وأثنى على همتي من أول يوم وأنا أقول لنفسي لابد من العمل الدؤوب والمحافظة على فرصتي هنا وأن يكون عملي هذا بداية عهدي بالعزة بعد سنين الذل والهوان عند أهلي مرت الأيام وثقة صاحب المحل تزيد في أمانتي وعملي حتى وجدت غرفة استأجرتها أخبرت صاحب المحل بهذا ولكنه قال لي ولماذا ؟ لتبيت في مكانك ؟ شكرته على كرمه وتلطفه ووعدته أن انتقالي إلى السكن الجديد لن يغير في الأمر شيء وسأظل على عهدي ولن أتأخر إن شاء الله ما وسعني ذلك . وبينما أنا في عملي إذا برجل يأتي ليشتري بعض الأغراض من المحل ولما أعطيته إياها نسي الجريدة التي كانت معه لأنظر فيها فإذا بي أقرا عن وظائف خالية بشركة كبرى وإذا بالرجل يعود ليأخذ الجريدة اعتذرت له لأني قرأت فيها قال لي لا عليك هل أنت من هواة الأخبار الرياضية؟ كما هو حال الشباب للأسف ؟ أخبرته أني كنت أقرأ في الوظائف وأني وجدت إعلانا لشركة كبرى فقال لي لماذا لا تذهب وتتقدم للوظيفة فالشروط تنطبق عليك ؟ ابتسمت له وقلت أتسخر مني؟ أين أنا من العمل في مثل هذه الشركة ؟ وأنا لا أعرف أحدا هنا . ألح عليَ بضرورة التقديم من باب الأخذ بالسبب تحت إلحاحه وإصراره وعدته أن أتقدم بطلب الوظيفة . في اليوم التالي استأذنت من صاحب المحل للذهاب إلى مقر الشركة وأخبرته بما سأفعله دعا الرجل لي بالتوفيق إلى ما هو خير لي في ديني ودنياي ذهبت للشركة وتقدمت للوظيفة وأجريت مقابلة وتركت وسيلة الاتصال وهي تليفون صاحب المحل مرت أسابيع وفي أحد الأيام جاءني صاحب المحل تبدو عليه السعادة والبشاشة وهو يقول لي أبشر يا محمد فقد قبلت في الشركة ولابد من إكمال أوراقك الرسمية لأجل التعيين . اغرورقت عيناي .
فرحت فرحا بالغا هل حقا ما سمعته ؟ هل سأكون موظفا في هذه الشركة ؟ هل انقضت أيام شقائي للأبد ؟ هل شاء الله أن يعوضني عن الذل الهوان ؟ خرجت من شرودي وإطراقي على كلام صاحب المحل .. محمد لا شك أنك تفكر بالوظيفة الجديدة وأن عملك في المحل هنا أصبح لأيام معدودة؟ وفقك الله أينما ذهبت ،، قاطعته مسرعا لن أتركك ما وسعني ذلك فو الله لا أنسى لك حسن صنيعك ما حييت أرسلت أحد الناس إلى عمي الذي كنت أعيش عنده أطلب منه بعض الأوراق ليجيب على صديقي هل لا يزال هذا الفاشل يذكرنا ؟ يريد أوراقه ؟ هل فعل مصيبة ؟
ليته مات مثل أبيه ؟ وعلى أية حال خذ هذه كل أوراقه لا أريد أن أراه مرة ثانية بعد أن خرج دون استئذان من أحد أخبرني صديقي بما قاله عمي لم أبال كثيرا بما سمعته . فلم تكن تلك الإهانة هي الأولى فلقد تكررت إهاناته لي لكنها كانت تزيد عزيمتي وإصراري على النجاح وإثبات اني لست فاشلا كما يدعي وها أنا أثبت أني نجحت بل حققت مالم يحققه أبناؤه الذين لم يعانوا مرارة اليتم وغياب الناصح مثلي أخذت الأوراق في اليوم التالي وانطلقت إلى الشركة يحدوني الأمل في مستقبل مشرق قمت بتسليم أوراقي وأخذت موعدا للكشف الطبي حتى أتسلم الوظيفة . ذهبت في الموعد المحدد لإجراء الكشف الطبي وأخبرونا أن نتيجة هذا الكشف سيكون بعد أيام قليلة ذهبت لمعرفة النتيجة وقد وجدت في الكشف المعلق اسمي وموعد استلام الوظيفة عدت إلى صاحب المحل مبشرا إياه وأخبرته بما تم . وهنأني بذلك . ذهبت إلى الشركة لأستلم الوظيفة وقد مرت الأيام مسرعة حتى انتهى الشهر الأول لي في الوظيف لأستلم الراتب الأول الذي لم أكن أحلم به طلبت يومين إجازة عدت إلى بلدي ومسقط رأسي وكلي شموخ وعزة ذهبت إلى أختي " ملك " بعد فترة الفراق الطويلة استقبلتني بسعادة غامرة ولامتني أين كنت طوال هذه الفترة ؟ ألا تعلم أنك أخي وأبي وكل ما أملك؟ سالتها : هل رابها شيء من زوجها؟
قالت إنه يعاملها بأحسن معاملة . سعدت بذلك استرحت من السفر . ثم أخبرتها بما حدث لي طوال رحلتي منذ خروجي حتى عودتي بدت علامات البشاشة عليها .
ما لبثت أختي ساعات حتى أخبرت زوجها وأباه بما حدث لي وأني أثبت للجميع بما لا يدع مجالا للشك أني لست عاطلا كما يدعي عمي وأني لست متسببا في المشاكل تحول الجميع في التعامل معي بشكل غريب أصبح الكل يتقرب إلىَ وأصبح الجميع يرحب بي تذكرت قول القائل :
إن قل مالي فلا خل يصاحبني وفي الزيادة كل الناس خلاني كم عدوا لأجل المال صادقني وكم صديق لفقد المال عاداني وبعد أن من الله علي ذهبت إلى أمي كي أطمئن عليها ؟ لأتفاجأ بما رأيته،، فقد وجدت زوجها يمعن في إذلالها لم أحتمل ما رأيت أعطيتها بعض المال وذهبت لما رجعت في الإجازة الأخرى وجدت زوجها يبيع الأرض التي كانت إرثي وإرث أختي قطعة قطعة بسبب شربه للمخدرات عاتبت امي لماذا ترضين بذلك الذل ؟ لماذا أعطيتيه أرضنا ؟ لم تجب الا بدموعها وأخبرتني أنها لا تملك أن تفعل شيئا تركتها وانصرفت غاضبا من حالها ورضوخها للذل وقبولها الإهانة وقبل أن أعود إلي عملي اذا بعمي أبو زوج أختي يرسل في طلبي ذهبت إليه لأرى ماذا يريد جلسنا نتحدث عن عملي وأني أثبت للجميع نجاحي وسألني لما لا تتزوج ؟ كل أقرانك قد تزوجوا , وعدته أن أفكر في الأمر استأذنته في الخروج لإعداد أغراضي للسفر لعملي مرة أخرى ولما عدت في الإجازة الثانية وجدت أختي تقول لي لقد اخترت لك عروسا فقد انتظرت هذا اليوم كثيرا فأنت مني بمثابة الولد لا الأخ . قلت لها ومن تلك العروس التي اخترتها قالت " سناء" أخت زوجي إنها فتاة طيبة وستكون زوجة صالحة لك وأرجو أن يتم زواجكما على خير . قلت لها وما أدراك أنها ستوافق؟ ابتسمت وقالت إن أباها قد لمح لي بأنه يريدك زوجا لها وأخذ يثني عليك . وأنا اقول أنك لن تجد خيرا منها ،،فلا تتردد واذهب إلى عمك واطلب مصاهرته . خرجت من عند أختي لأذهب إلى عمي وبدون كثير مقدمات أخبرته أني جئت إليه خاطبا ابنته وفد وافق عمي على الفور وحددنا موعد عقد القران وطلبت منه أن يعجل في أمر زواجنا وقد وافقني على ذلك .
مرت الأيام مسرعة وأتممنا الزواج .
وانتقلت أنا وزوجتي إلى للعاصمة حيث عملي هناك وعدتها أن أكون لها أبا وأخا وزوجا وقد رزقني الله منها بأربعة أبناء أرجو من الله أن يعينني على حسن تأديبهم وتربيتهم . وأن أوفر لهم كل سبل الراحة حتى لا يواجهون ما قد واجهت من مصاعب الحياة وقسوة العيش وغلظة الأهل والأقارب .