في البداية لابد من القول إنَّ التنمية كمفهوم لم يوضع أساساً إلا ليتجاوب مع حاجات السكان في أيّ بلد فكيف إذا كان هذا البلد يعاني من الانفجار الاستهلاكي.
إنَّ الانفجار الاستهلاكي يرتبط بعدة عوامل مؤثرة، منها:
1ـ الدعاية والإعلانات التجارية، وانتشار الأسواق الكبرى والمحلات التجارية التي تجذب الناس. فلا يخرج منها الإنسان إلا وقد اشترى بالإضافة إلى ما يحتاجه كماليات وأغراضاً أخرى قد لا يكون بحاجة إليها.
2ـ التسهيلات المصرفية، لشراء المواد الاستهلاكية، وتقسيط المشتريات.
بَيْدَ أنه يجدر الإشارة إلى حقيقة مهمة تتمثل في أنّ الاستهلاك المرتبط بالإنتاج المحلي هو جيّد، لأنه ينشط الدورة الاقتصادية الوطنية. أما الاستهلاك الكبير لمواد وأغراض ومعدات وحاجيات معظمها مستوردة ، هو خروج للأموال من البلد لصالح الاقتصاد الأجنبي.
لقد تحول الإنسان المعاصر ـ للأسف ـ إلى مستهلك وصار رفع مستوى المعيشة هدف الحياة الأكبر، وأصبحت الحياة تتمحور حول مزيد من العمل من أجل مزيد من الإنتاج من أجل مزيد من الاستهلاك من أجل مزيد من المتعة.
إنَّ جنون الاستهلاك والتبذير غير المنضبط والإسراف الشديد في المنتجات، أدى إلى تسارع نضوب موارد المعادن والطاقة المتجددة، وإلى جشع التجار في رفع الأسعار.
وقد أكّدت أكثر من دراسة على أن الأسر بشكل عام تنفق 60% من دخلها على الغذاء. بل إنَّ قرابة 88% من الأسر تنفق أكثر من حاجاتها الاستهلاكية.
وأثبتت الدراسات أن نسبة كبيرة من الأسر تلجأ إلى الاستدانة والاقتراض بفوائد مرتفعة لتلبية حاجاتها.
وهكذا أصبح المستهلك المدمن على الشراء فأراً لتجارب المصانع التجارية ذات الأهداف الاقتصادية البحتة. بل لقد أصبحت تلك المصانع تنتج آلاف السلع الكرتونية التي لا يتجاوز عمرها الافتراضي بضع سنوات قليلة، مما يجعلها لا تعدو كونها قبراً متناقلاً يدفع ثمنه الفرد برضى تام.
ما سبق الإشارة إليه بعض أسباب تقف خلف عدم التزام المحلات التجارية بتسعيرة واحدة.
وعليه يبقى دور التاجر أوضح في تنامي ظاهرة تفاوت أسعار السلعة الواحدة من محل لآخر، وغياب الوعي الاستهلاكي لدى المستهلك أسهم في هذه القضية، وغياب الرقابة ضاعف في حجم تلك الظاهرة.
لذا، فقد توالت الضربات المالية على ميزانية الأسرة. ذلك أنَّ مما زاد من حجم الأعباء الاقتصادية على الأسرة الارتفاع العام في المستوى العام للأسعار لكثير من السلع مما شكّل ضغطاً على ميزانية الأسرة.
وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية المتأزمة أصبح المواطن في حيرة من أمره، بل إن هذه الأوضاع تعني أننا سنواجه أزمات اقتصادية حقيقية لها أضرارها الاقتصادية والاجتماعية على المدى القصير.
وهنا يمكن أن نتساءل كيف نستطيع معالجة ذلك وما الحلول الناجعة التي يمكن اقتراحها؟!.
نقول بإيجاز، أنه يمكننا عمل الآتي:
أولاً: لابد على الجهات الرسمية ذات الاختصاص أن تدرس العوامل والمتغيرات التي تؤثر في سلوك المستهلك وكذلك التعرف على ظروف الطلب الاستهلاكي والعوامل المؤثرة فيه والفئات القائمة بعملية الشراء.
ثانياً: لابد من أن تتضافر جهود الجهات المختلفة وخاصة المعنية بالرقابة والتفتيش والقياس والمواصفات لمعالجة أيّ إشكالية قد تظهر في المجتمع.
ثالثاً: إنّ التوعية والتخطيط السليم يسهمان من خلال دوائر الإعلام والتوجيه في الحد من ظاهرة الانفجار الاستهلاكي والارتفاع غير المبرّر للأسعار.
رابعاً: على التجار ورجال الأعمال القيام بواجبهم نحو وطنهم وعدم استغلال حاجة الناس دون استنزاف لموارد المواطنين المالية وتوفير المتطلبات الأساسية بأسعار معقولة مقبولة.
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية