قبل أربعين عاماً تذهب الرواية الشامية طالباً يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً ويدرس بالمتوسطة بمدينة السويداء بالشام وكانت نتائج الاختبارات الدراسية تعلن في الصحف المحلية اليومية .
ووقتها صدرت نتائج الشهادة المتوسطة في الصحف الرسمية وشاهد إسمه في الصحيفة وكان لا تسعه الفرحة كبيرة جداً،
فقرر السفر من السويداء إلى دمشق لشراء كعك شامي وبرازق وغريًبة من دمشق، لتقديمها لأهله وأصحابه إبتهاجاً بنجاحه.
وكان معه خمس ليرات ورقية وليرة واحدة معدنية، ركب الباص بليرة واحدة أعطى أجرة الباص الليرة المعدنية وبقيت خمس ليرات ورقية بجيبه.
وعندما وصل إلى دمشق توجه فوراً إلى سوق الحميدية وأيضاً للصالحية، وبعدها ذهب إلى باب الجابية، فدخل محل حلويات وكان التاجر يجلس بجانب ابنه الصغير أمام محله، فقال له :
عم أريد كيلو كعك وكيلو برازق وكيلو غْرَيْبة، ومدد يده إلى جيبه لأخرج الخمس ليرات الورقية فلم يعثر عليها وبدأ بالبحث في الجيب اليمين ثم الأيسر ولكنه لم يجدها .
شعر بالحرج والخجل وظهر عليه علامات
الحزن واضحاً واستشفه التاجر فاعتذر من التاجر قائلاً :
عم سأعود لاحقاً لأخذ ما طلبته منك
لكن التاجر نظر اليّه وابتسم وقال :
هل نسيتَ النقود في البيت فقال : لا بل أعتقدُ فقدت او أضعت المبلغَ، فقد كان في جيبي خمس ليرات ورق
قال له : أين تسكن يا إبني ؟
قال : بيتنا في السويداء يا عم.
قال : إجلس وإرتاح قليلاً
وصَبّ كوباً من الشاي وقال :
تفضل واشرب حساءً من الشاي ورَوّق بسيطة .
جمع التاجر ما وَزَنهُ من كعك وبرازق وغريبة في كيس ورق وقال : خذ هذا الكيس ، وفي المرة القادمة تسدد ثمن ما اشتريت، الناس لبعضها .
فعتذر : قد لا أعود لدمشق إلا بعد فترة طويلة لا أحب الإستدانة.
قال التاجر : متأكدٌ بأنك ستعود وتسدد ثمن الحلويات وأصرَّ عليه أن يحمل كيس الحلويات.
أخذ الحلويات وكله خجل من هذا الموقف، وودعه هو وابنه وغادر المحل ،
وبعد أن مشي مسافة بالسوق واذا بإبن التاجر يناديه فتوقف، قال : لقد وجد والدي خمس ليراتك بأرض المحل ويبدو أنها قد وقعت منك، وأبي قد خصمَ منها ثمن الحلويات وهذا الباقي تفضل.
كانت فرحته كبيرة لأنه لم يحمل ديناً في رقبته من ناحية ، ولأننه يستطيع دفع أجرة الباص للعودة إلى السويداء دون الطلب من أحد لأنه لا يملك غيرها.
عندها فرح كثيرا وشكر والده وأرسل مع ابنه شكره لوالده، ووضع باقي المبلغ في جيبه وهو سعيد جداً.
وصل إلى داره في السويداء وعندما أدخل يدي في احد الجيوب الخلفية تفاجأ بأن الخمس ليرات في هذا الجيب الذي لم يبحث فيه، فقص على والده ما حدث في دمشق،
فابتسمَ والده وقال :
يا إبني تجار الشام وحلب هم تجار أباً عن جد ويحملون كل معاني الإنسانية وعليك يا بنيّ أن تعيد الخمس ليرات للتاجر فهي دين في رقبتك وستأخذ معك خبز ( مُلوّح ) من خبز والدتك لتكون هدية له وأن تدعوه لزيارتنا.
وفعلاً في الأسبوع الثاني حمل معه ( خبز والدته الملوّح ) وخمس ليرات الدين
عندما رآه التاجر من بعيد راء على وجهه إبتسامةً وعندما إقترب منه قال : ألم أقل بأنك ستعود والآن خذ معك هالكيلو الهريسة وسلّم لي على والدك وعلى أهل السويداء.
وبعد هذه الفترة الطويلة ما زال وجه ذاك التاجر وإبنه أمام عينه ولن ينساه ما حيي،
فقد أعطاه الحلويات وإنتبه أنه لا يمتلك غير الخمس ليرات الورقية ولن يكون معه أجرة الطريق فأرسل مع إبنه مبلغاً يعينه على دفع أجرة الباص للوصول لمدينته السويداء.
الإنسانية لم تنعدم في ذلك الزمان .
انه حسن الخلق وجمال الروح وجبر الخواطر ...
التعليقات 1
1 pings
ابو فهد
09/03/2022 في 9:57 ص[3] رابط التعليق
هذا الاب وهذا الكرم وهذا الاخلاق الكريمه
هذه اخلاق المسلم
كلها اجتمعت في هذا الرجل يمكن ان نطلق عليه
التاجر الكريم
(0)
(0)