مع التحول والتطور الهائل الذي تشهده المملكة، وما تمليه السعودية من اهتمام بالغ من أجل مواكبة كل ما هو جديد في عالم الاقتصاد، وذلك ضمن رؤية المملكة 2030 ، فقد أقرت القيادة الرشيدة حزمة من الإجراءات في مقدمتها إنشاء بنك رقمي، بمشاركة صندوق الاستثمارات العامة، برأس مال يبلغ 1.65 مليار ريال.
ورغم كوني غير مُلم إلى حد كبير بمجالات الاقتصاد، إلا أني بحثت في العديد من المراجع عن أهمية إنشاء هذا النوع من البنوك، والتي ظهرت منذ عام 2009 ، ثم أخذت في الاتساع.
وقد تتفاجأ عزيزي القارئ، عندما تعلم أن هذه البنوك غير موجودة بالعالم الافتراضي، إذ أنه تتم العمليات المصرفية من فتح الحساب والسحب والإيداع والتحويل من وإلى الحساب من دون وجود أشخاص يتم التعامل معهم، ورغم هذا فإنها آمنة تماماً.
ولمعرفة العمليات التي تتم عبر الحساب فإن هناك "تطبيق" على الهاتف يمكن من خلاله تتبع العمليات بكل سهولة ويسر، ومن أهم مزايا هذا النوع من البنوك، أنك تستطيع السفر إلى أي دولة بالعالم وتقوم بسحب من نفس العملة الموجودة بالبلد، على سبيل المثال إذا كنت في الولايات المتحدة تستطيع سحب من خلال تحويل العملة إلى الدولار الأمريكي.
إلا أن عمليات الاقتراض غير متاحة حتى الآن في هذه البنوك والسبب هو البحث عن ضمانات للتسديد ، سواء متوسط أو بعيد الأجل ، غير أن غياب هذه الميزة لا يجعلنا نتجاهل الهدف الأساسي في وجود" البنوك الرقمية" وهو تسهيل العمليات البنكية والخدمات للعملاء بطريقة فعالة ومرنة وتسهل على العملاء إنهاء خدماتهم في أي وقت يرغبون فيه.
كما تكمن مزايا البنوك الرقمية في أنها تساعد على إدارة الوقت وتقليص الجهد الذي يمكن أن يستغرقه العميل بمراجعة البنوك التجارية مما يخفف العبء على العملاء.
بل إن التعامل مع البنوك بشكل افتراضي يساهم في تقليل الأخطاء ورفع العوائد والارباح إضافة الى سهولة ومرونة التعاملات البنكية وعلى مدار الساعة، كما تعتبر البنوك الرقمية صديقة للبيئة حيث تساعد في تقليل الازدحام المروري وتوفير المباني والمعدات المكتبية
كل هذه المزايا جعلت دول منطقة الخليج إلى التنافس الحميم بين من أجل اللحاق بركب التطور و البنوك الرقمية أو ما يعرف بـ" الفاين تيك" ، حيث رخصت السعودية في يونيو الماضي بنكين رقميين هما البنك السعودي الرقمي برأس مال 1.5 مليار ريال، إلى جانب بنك STC الذي سينبثق عن STC Pay التي ستتحول من شركة مدفوعات رقمية إلى بنك رقمي محلي برأسمال 2.5 مليار ريال.
وفي الإمارات تم الإعلان عن تأسيس بنك رقمي يعرف بـ Zand حظي بدعم من شركة Franklin Templeton ومجموعة من المستثمرين الآخرين، كما وقعت كل من شركة القابضة ADQ وألفا ظبي ومجموعة اتصالات الإماراتية وبنك أبوظبي الأول اتفاقية لإطلاق منصة بنكية رقمية تحت اسم Wio برأس مال مستثمر يصل إلى مليارين وثلاثمئة مليون درهم.
وفي الكويت، أطلق بنك الكويت الوطني أول بنك رقمي في الكويت تحت اسم Weyay وقد فتح بنك الكويت المركزي المجال لاستقبال طلبات تأسيس البنوك الرقمية حتى 30 يونيو المقبل على أن يتم الإعلان عن الطلبات المستوفية للشروط بنهاية السنة.
إلا أن هناك بعض السلبيات التي تصاحب إنشاء مثل هذه البنوك وعلى رأسها تسريح الموظفين من أجل توفير النفقات وغياب فرص الاستثمار ، مثل الاستثمار في العقارات، ومع التقدم الهائل في المجال التقني فإن الخطر الحقيقي الذي يوجه هذه البنوك هو الاختراق الإلكتروني، سواء للبنك أو لحساب العميل حيث أن العمليات المصرفية تعتمد في المقام الأول على الشبكة العنكبوتية.
كما أن من سلبيات هذه النوعية من البنوك تعرض البنوك لعمليات النصب حيث أنه يمكن لبعض العملاء الاقتراض من البنوك بدون ضمانات كافية، و سهولة تزوير بعض أنواع البطاقات، وربما قد تحدث الكثير من الأخطاء في آلية عمل البنك الإلكتروني، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث العديد من المشاكل والعراقيل التي تخص العمل وتؤخر من إنجازات البنك.
كذلك من أهم العيوب التي تواجه البنوك الإلكترونية هي صعوبة التطبيق الفعلي والمناسب، كما هو الحال مع البنوك التقليدية الموجودة على أرض الواقع، ومخاطر عدم الالتزام بالعمليات التحويلية التي قد تتعرض لها البنوك، نتيجة ضُعف سياستها المتبعة.
وصعوبة السيطرة على حجم ومقدار السيولة في البنوك، نظراً لأن العملاء يستطيعون تحويل أي مبلغ مالي عن طريق الأجهزة الخاصة بهم عن طريق الإنترنت ومن دولة إلى أُخرى، الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على اقتصاد الدول أو في بعض الأحيان قد تُسبب أزمات في السيولة النقدية.
وفي الختام ، فإن التعامل مع هذه البنوك يجب أن يكون قائم على الحرص والحيطة ، مع ضرورة التأكد من أن البنك الذي تم التعامل معه موثق وحاصل على ترخيص من البنك المركزي.
كما لابد أن يكون التعامل مع البنوك الرقمية مبنى على الثقة المتبادلة بين الجهات القائمة عليه وبين العميل لتتم العمليات المصرفية في مأمونية تامة ، وأعتقد أن الجهات المعنية في المملكة اتخذت كافة التدابير والإجراءات لتفادي حدوث خطأ أو خلل أو اختراق لحسابات العملاء عبر هيئة الأمن السيبراني.
العميد م : عبدالعزيز بن رازن.
مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية.