لم تكن المملكة العربية السعودية في منأى عن الأحداث والتطورات الدولية العالمية ، لكونها حجر زاوية المنطقة العربية وعمود خيمة الشرق الأوسط ، ومن هذا المنطلق جرى الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
والمتابع لتفاصيل الاتصال الهاتفي والبيان الصادر من البيت الأبيض ، والبيان الصادر من الديوان الملكي يجد أن الاتصال تمحور حول أسعار النفط والطاقة ، غير أن بيان البيت الأبيض ركز على الأوضاع في اليمن ومكافحة الإرهاب والتطرف، والتوصل لاتفاق مع إيران ، أما النقطة الثانية فيتمركز على دعم المملكة من الناحية العسكرية.
أما البيان الصادر من الديوان الملكي فقد ركز على نقطتين هما مكافحة الإرهاب والجهود التي تقوم بها المملكة في هذا الصدد، والتأكيد على حرص المملكة على الحفاظ على أسعار النفط ، وهذه النقطة بمثابة الصفعة التي تلقاها بايدن، حيث أن الرئيس الأمريكي كان يعول على تخفيض سعر النفط، وخاصة أن "الكونجرس" مقبل على التجديد النصفي ويخشى من عدم سيطرة حزبه الديمقراطي، وخاصة أن ذلك يتزامن مع شعبية بايدن المتدنية.
كما أن حرص وحفاظ المملكة على سعر النفط ، يتوافق مع التوجه الروسي الذي يعطيه أريحية في الحفاظ على السيولة المالية ، فحدوث أي ارتفاع في أسعار النفط من 40 إلى 95 دولار للبرميل يعنى ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة وهو ما لا يريده بايدن.
غير أن ارتفاع أسعار النفط يعطي أريحية في التعامل مع الأزمة الروسية – الأوكرانية ، حيث يدور الحديث حول ارتفاع مليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي من 5 دولار إلى 20 دولار، وهذا الارتفاع يعطي روسيا فوائد من الأموال الناتج عن بيع الغاز الطبيعي.
والفضل يرجع في هذا إلى اتفاق "أوبك +"، الذي دائماً ما تؤكد المملكة على حرصها على الالتزام به، حيث كان يريد بايدن من المملكة خلال الاتصال الهاتفي مع الملك سلمان زيادة ضخ من النفط أو على الأقل طرح استثناءات من النفط ، لزيادة المعروض، فتنخفض أسعار النفط ، بعدما استطاعت المملكة أن تحافظ على السوق العالمي خلال أزمة النفط التي شهدت انخفاضاً في أسعاره.
ويجب التنويه هنا إلى أن ارتفاع أسعار النفط لا يعطي فقط المملكة قوة اقتصادية كبيرة وإنما أيضاً يعطيها ثقل سياسي في إدارة الأزمات الدولية والتوصل إلى اتفاق وتوافق في إدارة علاقاتها الدولية ، وهو نفس الشىء مع روسيا ، حيث يعطيها قدرة في إدارة الأزمة مع أوكرانيا.
فجميع المحاولات الأمريكية من أجل إفساد اتفاق "أوبك +" ، أو المحاولات المستميتة من أجل التوصل لتفاهمات لطرح استثنائي لبرميل النفط من أجل خفض سعره ، باءت بالفشل.
وربما تمارس روسيا محاولات مع المملكة مستغلة علاقتها القوية مع الرياض من أجل إعادة العلاقات مع نظام بشار الأسد، وإرسال رسائل غير مباشرة ، ، من أجل شرح مزايا إعادة العلاقات مع سوريا ، فكان رد المملكة قاطع وحاسم وهو رفض هذا المقترح جملة وتفصيلاً.
وما يلفت نظر المحللين والخبراء أن المملكة في سياستها الخارجية تملك قرارها ولا تقبل الإملاءات من أحد فهي رفضت تطبيع العلاقات مع سوريا من جانب رغم متانة العلاقات مع موسكو ، ورفضت طلب واشنطن بشأن خفض سعر النفط رغم التقارب الكبير مع الولايات المتحدة.
وأثبتت المملكة أن العلاقات بين الدول لا تبنى على حساب المصالحة القوية أو المبادئ العامة والخطوط العريضة للدولة ، وأن الرياض تصنع قرارها بنفسها من دون قبول أي ضغوط من أحد.
وفي الختام فإن الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس "بايدن" فشلت في كل الملفات المتعلقة بالسعودية ، مثل الحرب في اليمن أو الاتفاق النووي الإيراني أو دفع السعودية لخفض أسعار النفط، أو إيقاف التقارب السعودي الصيني أو التقارب السعودي – الروسي.
بعد هذا الفشل الذريع لم يتبقى لإدارة "بايدن" أي أوراق يعول عليها في التعامل مع الرياض، حيث كان يريد أن يصل في النهاية إلى التطبيع السعودي – الإسرائيلي وأصبحت هذه الفكرة في خبر كان، وأصبحت شعبيته في الولايات المتحدة الأمريكية بيد المملكة من خلال التحكم في سعر النفط.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه وصاحب الرد الوحيد فيه هو السيد "بايدن" ألا وهو هل ستشهد الفترة المتبقية من فترة ولايته الأولى تغيير ملموساً في العلاقات مع السعودية بمعنى أن تقوم على مفهوم "الجميع رابح منها" أما سيظل في تعنته ليخسر كل شيء .. هذا ما ستجيبه عنه الإدارة الأمريكية خلال الشهور المقبلة؟.
عبدالعزيز بن رازن
مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية.