نشرت لي بعض الصحف السعودية في 21 يناير 2022 مقالا باللغة العربية خلال فعاليات مهرجان الملك عبد العزيز للإبل الذي نظمته المنظمة العالمية للإبل ICO. وأقيم المهرجان في المنطقة الشمالية الشرقية للعاصمة الرياض برعاية ولي العهد السعودي, صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود, حفظه الله ورعاه. وكانت احدى الصحف الانجليزية نشرت قبل يومين مقالا بعنوان " الخلفية الثقافية للإبل العربية" أوضحت فيه لغير الناطقين باللغة العربية موروث الابل عند المجتمع السعودي, وذلك للتعريف بثقافتنا العربية فيما يتعلق بالابل وابراز الخلفية التاريخية لهذه الثقافة السعودية العريقة.
وقد ذكرت في المقال أنه بعد أن تم استخدام الجمل كوسيلة نقل أساسية ساهمت في إمداد أبناء البادية بالعناصر الغذائية ذات القيمة العالية والمثبتة علميًا في سلسلة من الدراسات العلمية والتجارب المخبرية التي أجراها الباحثون ونشرت في الدوريات العلمية مثل المجلة العلمية التي تصدر عن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا, وهي المجلة التي ساهمت من خلالها بترجمة ومراجعة بعض المقالات العلمية بين اللغتين العربية والانجليزية.
أحاول الآن تسليط الضوء على العوامل الثقافية التي شكلت تلك العلاقة التاريخية الثنائية بين الإبل وأصحاب الإبل منذ آلاف السنين. فقد يظن بعض الأجانب في بلادنا أن التجمّع السنوي لأصحاب الإبل انما هو مجرد مسابقة للفوز بجوائز المهرجان ، ولكن في واقع الأمر لم تكن المسابقة فقط حول الصفات الجمالية للإبل المشاركة في هذا التجمع الثقافي الذي يسعى الى احياء موروث ثقافي سعودي يعود إلى حقبة تاريخية تمتد جذورها في شبه الجزيرة العربية لآلاف السنين.
يخبرنا التاريخ السعودي العريق أن ثقافة الإبل لا زالت تنتقل من جيل إلى جيل من قبل أسلافنا الأوائل الذين تمكنوا بحمد الله من توحيد جميع أجزاء المملكة العربية السعودية تحت قيادة الملك المؤسس البطل. عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمهم الله جميعا. و مما يخبرنا به التاريخ أيضًا أن القائد المؤسس ورجاله لم يكن لديهم خلال مرحلة التأسيس سوى الجمال والخيول والسيوف والارادة السياسية لتحقيق هدف توحيد اجزاء الوطن السعودي الكبير.
من خلال هذه المعلومات البسيطة، يمكن لنا أبناء هذا الجيل أن نفهم بأن اهتمام الأجداد بالإبل لا ينبع من كونها مصدرًا حيويًا للغذاء أو وسيلة نقل في فترة ما قبل السيارة فحسب، وانما لأن هذه المخلوقات ورد ذكرها كذلك في آيات من الذكر الحكيم. قال الله تعالى في سورة الغاشية: "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت" ؟! وذلك لإظهار عظمة الله عز وجل في خلق الإبل. لهذا نعلم أن الإبل تختلف تمامًا عن سائر الحيوانات على كوكب الأرض.
ومما يذكره أصحاب الابل لنا أن الجمل يمكن أن يتحمل الجوع والعطش لأكثر من أسبوعين بسبب تكوين جسمه الضخم. ويعود السبب وراء هذه الحقيقة الى أن الجمل يستطيع تخزين كميات كافية من الماء والطعام في معدته الكبيرة عندما يسير في رحلة محفوفة بالمخاطر في الصحاري القاحلة حيث كافح أبناء البادية آنذاك بأدواتهم البدائية وعانوا كثيرا من مشقة الحصول على القليل من المياه الجوفية في الصحراء. ورغم ندرة الأمطار و شح مياه الآبار, تمكنت الابل بفضل الله من البقاء على قيد الحياة ولم تنقرض مثلما انقرضت مخلوقات أخرى على مر العصور, وانما بقيت الإبل العربية وتكاثرت على الرغم من عدم توفر مياه الشرب وصعوبة الحياة الاقتصادية آنذاك.
وبالإضافة إلى ذكر الإبل في القرآن الكريم، فإن للإبل خاصية مميزة أخرى تتعلق بالولاء التام لصاحبها, وتتعلق أيضا بقوة انتمائها للبيئة التي عاشت فيها لمدة طويلة. لذلك نجد أنه في حال وصول الجمال لمسافة بعيدة عن موطنها الأصلي، فإنها ستعود يومًا ما وفاءً لصاحبها أو صاحبتها. فالابل تتمتع بحاسة قوية و ذاكرة جيدة تساعدها على فهم طبيعة الأماكن وتجعلها على دراية واسعة بالمراعي والطرق الملتوية التي تسير من خلالها الإبل حتى تصل الى ديار مالكها مهما كانت الظروف المناخية صعبة وقاسية.
باختصار ، هذه هي الخلفية الثقافية لاهتمامنا بموروث الابل والذي له أبعاد اقتصادية ودلالات اجتماعية تشير إلى اكرام الضيف وتقديم يد العون والمساعدة. ولهذا السبب، يسعى جيل اليوم الى غرس المفاهيم الاجتماعية والقيم الثقافية للابل الى ابناء الجيل القادم. ومن كل ما ذكرت، فان فعاليات مهرجان الملك عبد العزيز للإبل تعكس لنا اهتمام جيل الشباب بالإبل وتمسكهم بالتراث الثقافي المستمد من الجيل السابق الذي أسس وأوصى بثقافة خاصة لكل أفراد المجتمع السعودي الأبيّ.