بعد مرور قرابة العامين من دخول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض وتوليه زمام الأمور ، يمكن القول بأنه لم يأتي بجديد أو بشكل مغاير لسياسية الحزب الديمقراطي.
فعلى مدار تاريخ الرؤساء الديمقراطيين تجد أن سياستهم واحدة لا تتغير أبداً، وخاصة فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط، وخاصة تناولهم لملف الحريات وحقوق الإنسان، ولديهم مرونة في السياسة الدولية، غير أن سياسة واشنطن خلقت نوع من الضعف والوهن في حلف شمال الأطلسي" الناتو".
لكن المتغير الوحيد هو أن دول مجلس التعاون الخليجية أصبحت دول تحدد قرارتها بنفسها ولا تفضل تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في شؤونها الداخلية ، وأصبح لها موقف حازم وحاسم تجاه العديد من الملفات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، بفضل موقف المجلس المتماسك أجبرت واشنطن على اعتبار هجمات الحوثيين على المملكة بأنها تخالف الشرعية الدولية، وتعتبر الميلشيا جماعة إرهابية.
في المقابل تنسج الإدارة الأمريكية مع إيران اتفاق بحيث أن تحقق طهران مصالحها في منطقة الخليج ، مقابل ألا تهدد مصالح واشنطن في هذا الإقليم الحيوي، وخاصة في منطقة شريط النفط، بدءاً من الكويت ، وانتهاءً إلى السلطنة.
ومن هنا لابد أن نفهم أن العقيدة الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية ولإدارة "بايدن"، هي تغذية النزاعات المحدودة والمحكومة استراتيجياً، بل لن أبالغ عندما أقول "ربما" ان من مهام الإدارة الديمقراطية الأمريكية هو تغذية هذه النزاعات الداخلية في الدول.
ومن زار الولايات المتحدة فإنه يجد مكاتب للتمرد على السلطات في دول العالم الثالث، حيث تجد مكاتب للأقباط المطالبين بتدخل دولي بزعم اضطهادهم في مصر، ومكاتب لمجاهدي خلق، ومكاتب للزنوج في دارفوار، فهي إحدى وسائل تغذية النزاعات التي على ضوئها تتدخل الولايات المتحدة وتحكم السيطرة على العالم.
ويقول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كسنجر"، في كتابه "الدبلوماسية الأم"، ليست من مهام الولايات المتحدة حل مشاكل العالم، بل مهمتها الإمساك بخيوط هذه المشاكل، وإدارة تلك الأزمات لصالح المصالح القومية الأمريكية.
وعلى أرض الواقع تعلم الولايات المتحدة جيداً أنها لا تريد إزاحة النفوذ الإيراني من العراق ، لكون الحدود الفاصلة بين إيران والعراق 900 ميل ، كما أن عدد الإيرانيين الذين يزرون الأضرحة في كربلاء والنجف والكاظمية وسمراء يبلغ سنوياً 3 ملايين وهو عدد كبير ، كما أن عدد المدن العراقية القريبة من الحدود الإيرانية حوالي 12 مدينة ، وهو ما دفع واشنطن للتقارب مع إيران من أجل ضمان حقول النفط العراقية من جانب وألا تهدد طهران مصالحها في الشرق الأوسط.
ويمكن وصف العلاقة بين الإدارة الأمريكية وإيران بـ"زواج المتعة"، أي زواج قائم على المصلحة، فالأمريكيين لا يرغبون إخراج الإيرانيين من العراق، وإيران تريد تفتيت العراق وإلغائها من المنظومة الاستراتيجية كدولة عربية مركزية وكقوة إقليمية ، لديها هبتها التاريخية.
والهدف الذي تريده كلا من طهران وواشنطن المتمثل في تقسيم العراق، سيتم التفرغ بشكل تام لدول مجلس التعاون الخليجي، ووضعها تحت حد السكين، برعاية من الحرس الثوري الإيراني وبتفاهم مع واشنطن. ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
وأتذكر مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق "ريجين" الذي قال أن الخصام مع الدول العربية، لا يضر، بينما الخصام مع إيران يضر، والاتفاق مع إيران مفيد، والاتفاق مع العرب قائم في كل الأحوال- تحصيل حاصل-.
ومن هنا فإن الولايات المتحدة تخشى من 4 أمور وهي منازعتها على الصعيد الدولي ، حيث أنها تريد الصين أن تهتم بالوضع الاقتصادي على حساب الاهتمامات الدولي، وتخشى امتلاك العرب لأسلحة الدمار الشامل ، والإرهاب المريع أي الذي يهدد أمنها داخلياً، مثل أحداث 11 سبتمبر من عام 2001.
وفي مقدمة هذه التخوفات نشوب حرب في آسيا الغربية وشبه الجزيرة العربية ، لذا هم يحسمون هذا الأمر ويراقبونه ، أو نشوب حرب بين تايوان والصين، لذلك هم يهيئون اليابان الآن لدور عسكري، ويلحون على تعديل المادة 9 من الدستور الياباني، الذي ينص عن أن طوكيو تنأى بنفسها عن أي نزاع عسكري.
وفي الختام ، فإنه من خلال قرأتى للسياسة الخارجية السعودية ، فإنها تتمتع باستقلالية تامة في اتخاذ القرارات والقدرة كذلك على طرح وجهات نظرها تجاه العديد من القضايا من دون الصدام مع أحد وهذا ما تؤكده العلاقات السعودية مع جميع القوى الإقليمية والعالمية، مثل الصين والهند و روسيا ودول الاتحاد الأوربي وغيرها.
عبدالعزيز بن منيف بن رازن.
مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية.