أثارت الأزمة الروسية – الأوكرانية الأخيرة ، حفيظة الباحثين والدارسين لهذا الشأن ، لا سيما وأنها أخذت في التصاعد مع قرار وزارة الطاقة الأمريكية رفع حالة الطوارئ بشأن امداد الغاز الطبيعي لدول العالم.
وبحكم قرأتي في الشأن الروسي ، فدعني عزيزي القارئ ، أوضح لك تأثير هذه الأزمة على الدول العربية وكيف ستكون المملكة بمثابة طوق النجاة ، وما هي السيناريوهات المتوقعة حال نشوب حرب بين روسيا وأوكرانيا.
مبدئياً، فإن فرص نشوب الحرب بين موسكو، وكييف متوقعة بنسبة 50% ، غير أن المستفيد الأكبر من نشوبها هي الولايات المتحدة الأمريكية ، التي ترى أن من مصلحتها وجود حالة تصعيد متبادلة من أجل استنزاف قوة روسيا العسكرية ، العدو الأزلي لواشنطن.
والمتتبع للسياسية الأمريكية تجاه الصراعات بين الدول يجد أنها تجيد ، إدارة الصراعات بين الدول ، مثل وقفها الغامض من الصراع بين الصين وتايوان وكذلك موقفها من الأزمة الأوكرانية – الروسية.
غير أن العقلية العسكرية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، وتاريخها تشير إلى أنه يجيد إدارة مثل هذه الصراعات ، وإنهائها لصالحه، مثل تدخل روسيا في أبخازيا الجنوبية و استونيا ، التي تم الاستيلاء عليهما عام 2008 ، وكان رد فعل العالم سلبي للغاية.
وفي عام 2014 تمكن الرئيس الروسي من السيطرة على شبه جزيرة القرم، وكان موقف العالم حينها سلبي للغاية ، كما أن الجيش الروسي وضع قواعد عسكرية في منطقة الشرق الأوسط في الفترة ما بين 2014 و2015 وتحديداً في سوريا من دون أي رد فعل عالمي إيجابي.
ومن هنا فإن موقف الولايات المتحدة حال سيطرة روسيا على أوكرانيا سيكون مماثل لتلك المواقف السابقة ، أو على أقصى تقدير سيتم مساومة بوتين على ترك سوريا مقابل أوكرانيا.
والسؤال هنا ما موقف الدول العربية حال نشوب الحرب في أوكرانيا، حقيقة من خلال تتبعي لوسائل الإعلام العالمية وما رصدته في هذا الصدد، فإن التركيز سيكون تجاه ردة فعل السعودية ومصر، لكون أوكرانيا تحتل المرتبة الرابعة في توريدات القمح والثالثة في توريدات الذرة ، خاصة للقاهرة وللرياض، وهو ما سيكون له أثر سلبي حالة غلق البحر الأسود الذي تصل من خلاله التوريدات. ولذلك يتطلب الموقف البحث عن بديل للتوريدات.
كما أن السعودية تزرع مناطق شاسعة في أوكرانيا بالقمح ، وأخرها المناقصة التي استحوذت عليها الشركة السعودية "سالك "، بـ120 ألف طن من القمح، غير أن من غير المنطقي النظر للخسارة فقط، ففي حال نشوب حرب ستتوقف الإمدادت الروسية من الغاز الطبيعي وهو ما يعنى ارتفاع الإمدادت السعودية والهندية إلى 3 أضعاف، وهو ما يعنى ضخ سيولة كبيرة جدا من العملة الصعبة في السعودية .
كما أن الولايات المتحدة لن تجد أفضل من المملكة العربية السعودية لتأمين احتياجاتها من النفط وقريباً ان شاء الله من الغاز الطبيعي، وهو ما يصب في مصلحة المملكة من خلال ارتفاع جنوني في أسعار النفط، وارتفاع امدادات المملكة من النفط لمستويات قياسية ، من هنا ستكون المملكة الدولة الوحيدة على مستوى العالم القادرة على التحكم في أسعار النفط.
إلا أن صياغة الموقف الرسمي للدول العربية والخليجية على وجه الخصوص تجاه الأزمة الروسية – الأوكرانية ، سيحتاج مراجعة شديدة ، لإبراز أنها دول محايدة ولا تسعى نحو مصالحها الاقتصادية فقط.
- ولله الحمد – لدينا في دولنا العربية سياسيين وديبلوماسيين على درجة كبيرة من الذكاء والوعي والحنكة السياسية التي تستطيع صياغة هذا الموقف بمهنية واحترافية عالية ، ومراقبة الأوضاع عن كثب خاصة أنها على علاقات قوية ووطيدة مع كافة الأطراف المعنية.
عبدالعزيز بن رازن.
محلل سياسي.