غالباً ما يطلق المؤرخون الناظرون إلى أحداث ماضية من منظور مرت عليه سنين عديدة أسماءً على حقب لم يفكر أبداً أن يطلقها عليها المعاصرون لهذه الأحداث العائشون في تلك الأوقات.
فقد مرت مئات السنين العديدة قبل أن تحصل الحقب التي نعرفها، في هذه الأيام، بأسماء العصور الوسطى والنهضة والاصلاح على أسمائها هذه. وفي هذه الأيام، أصبح الوضع على نحو لا نستطيع أن ننتظر فيه بعض المؤرخون المستقبليين حتى يطلقوا اسماً على العصر الذي نعيش فيه: إنه عصر المعلومات.
والدليل واضح حتى نراه في كل مكان حولنا. فالعالم الآن مربوط معاً بشبكة الكترونية تنقل الأخبار والبيانات، الجيدة منها والسيئة، الحقيقية منها والزائفة، بسرعة الضوء إلى أي مكان في هذا الكوكب. وتحول الكميات الهائلة للمعلومات التي تنتقل عن طريق الشبكة، إضافة إلى سرعة البث لها، طريقة عمل العالم إلى طرق هي عميقة عمق ما حدث في الثورة الصناعية على الأقل.
إنها تغير العلاقة بين الحكومة والمواطن، بين حكومة ذات سيادة وحكومة أخرى، بين مؤسسات ومنظمين. إنها رؤية جورج أورويل عن الأخ الأكبر الذي يراقب المواطن وقد أوقفت هذه الرؤية على رأسها، فقد أصبح المواطن هو الذي يراقب الأخ الأكبر.
وقد تغير مفهوم ما يؤلف الموجودات وما يخلق الثروة تغيراً درامياً. فقد أصبح رأس المال العقلي أهم نسبياً من رأس المال المادي.
فمصدر الثروة الجديد حقاً ليس مادياً، بل هو معلومات ومعرفة تطبق على العمل لخلق قيمة. وملاحقة الثروة الآن هي ملاحقة المعلومات إلى حد كبير، وهي تطبيق المعلومات على وسائل الإنتاج. لكن قوانين صاحب السلطة ولوائحه لم تعدل حسب الواقع الجديد.
فشخص يتمتع بمهارة كتابة برنامج كومبيوتر معقد قادر على أن ينتج ريعاً يبلغ مليار دولار يمكنه أن يجتاز أي ضابط جمارك في العالم دون أن يكون لديه أي شي ذي "قيمة" ليعلن عنه.
ويضائل اقتصاد المعلومات مكافآت رقابة منطقة ويخفض قيمة الموارد التي يمكن استخلاصها عن طريق رقابة كهذه.
وغالباً ما اكتشفت دول قومية حاربت حرباً دموية من أجل السيطرة على منطقة أن هذه البلاد التي غزتها تتحول من موجودات إلى مسؤوليات.
وكثير من الموارد الطبيعية الموجودة ضمن حدود ذات سيادة حلت محلها منتوجات تركيبية، هي من منتوجات العقل على نحو أساسي.
وقد أصبحت حدود، دافعت الدول عنها بقوة، مسامية مع انتقال البيانات مع كل الأنواع متعدية وعابرة ومتخللة الخطوط على خريطة بلا إذن لها في الدخول أو إعاقة لها.
إن ثورة المعلومات لا تجعل الاقتصادَ الجزئي أكثر صعوبة في تنظيمه فقط بل تجعل الاقتصاد الكلّي – عالم الناتج القومي الإجمالي والطلب الإجمالي والإحصائيات المعدّلة موسمياً – أكثر صعوبة في قياسه ومن ثم أكثر صعوبة في تنظيمه أيضاً.
كما لم تعد العديد من المصطلحات التي نستعملها اليوم لوصف الاقتصاد تعكس الواقع. فكل واحد يعرف , مثلاً , بأن جميع الأنوار ستنطفئ , وجميع الطائرات ستتوقف عن الطيران , وجميع المؤسسات المالية والعديد من المصانع ستغلق أبوابها , إذا اختفت فجأةً برامج الكمبيوتر التي تدير أجهزتها.
لكن جميع هذه الموجودات الفكرية الحاسمة لا تظهر بأية طريقة جوهرية في ميزانيات العالم.
ومع هذا , فتلك الميزانيات تعكس جميعها فعلاً ما كان يدعى في العصر الصناعي بالموجودات الملموسة – أبنية وآلات – أشياء في الإمكان رؤيتها ولمسها.
التعليقات 1
1 pings
محمد الشيخلي
12/02/2022 في 12:44 ص[3] رابط التعليق
حقا دكتور كما تفضلت يمكن ان نسبق المؤرخين القادمين وان نطلق على عصرنا (عصر المعلومات )، فلم تعد الحروب والصراعات اليوم بين الدول العظمى تستخدم فيه انواع من الاسلحة القتالية الفتاكة والمدمرة كما كانت في السابق، فالحروب اليوم للسيطرة على العالم من نوع آخر نستطيع ان نصفها بانها حروب نظيفة ، وذلك من خلال الابتكار والتطوير والابداع المعلوماتي والتكنلوجي، من اجل الوصول الى ذروة الاقتصاد والإنتاج ، وتكوين تكتلات اقتصادية ولائية لبعضها.
(0)
(0)