مما لا يدعو مجالاً للشك أنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا ويكره كلمة العنصرية ، فما من جمعية حقوقية أو مركزاً تنويرياً مستنيراً إلا ويقف حائط صد منيع ضد انتشارها ، لكن مع كل آسف تكونت لدى الغرب صورة ذهنية سيئة تربط بين الدين والعنصرية.
لكن الحقيقة أن العنصرية لها علاقة وثيقة وترابط قوي مع الحضارة الغربية منذ فجر التاريخ ، ليس فقط عملية وإنما فكرية وثقافية ، توارثها الأجيال وحتى يومنا هذا ، فمصطلحات مثل التنوير وحقوق الإنسان وحقوق المواطن والمساواة والعدالة التي اخترعها الغرب ، كانت في ظاهرها الرحمة وباطنها فيها العذاب حيث ورّثت هذه المصطلحات الاستعمار والقتل والنهب واستباحة حقوق الإنسان من قبل الغرب.
ولعل البعض إلا لمن يكن الكثيرين في عالمنا العربي مبهورين بالتقدم التكنلوجي والتقني للغرب مما دفع البعض للتقليد الأعمى بكل ما تحمله هذه الحضارة من خير أو شر ، فالمعيار المتبع مع الأسف هو التقدم التقني وليس الأخلاقي.
وبحكم قراتي المتواضعة للتاريخ أستطيع أن أقول لك عزيزي القارئ ، أن المجتمع الغربي هو السبب الرئيس في تدمير المجتمع العربي وفرض عليه العنصرية من حيث بنيته الأساسية والقانونية، بمعنى أن الدولة الإسلامية كانت تعيش فيها جميع الجنسيات ( الأعراق) بل جميع الأديان في نسيج واحد من دون تفرقة عرقية أو ممارسة عنصرية.
وفى المجتمع النبوي وعصر الصحابة الكرام ، عاشت العديد من الجنسيات منها سلمان الفارسي، وصهيب الرومي وبلال الحبشي وغيرهم من أعلام الصحابة والتابعين الذين كانوا ركناً اساسياً في بناء الأمة الإسلامية، فالسمة السائدة كانت هي قبول الآخر .
وفي المقابل فإن أوروبا لا تجد فيها مثل هذه القيم ، وأتذكر هنا مقولة أفلاطون الشهيرة : " أحمد الله على ثلاث".. إني ولدت رجلاً وليس امرأة .. إنى عشت في عصر سقراط .. أني كنت يونانياً ولست بربرياً"، وكلمة بربري في اللغات الأوربية تعني متخلف أو متوحش أو مجرم، وفيه نظرة دونية للآخر ومن الجنسيات الأخرى.
وبالعودة إلى الدساتير التي وضعها "أرسطو"، مثل دستور" أثينا" و"طيبة"، سبرتا" تجد وجود بند في قانون اختيار الرئيس وهو أنه ينبغي أن يكون يونانياً فقط، فلا يحق للأجنبي التصويت من أجل اختيار الرئيس، وعلى هذا النهج تم وضع العديد من الدساتير حيث يتم النظر إلى الغير أوربي أنه أقل مكانة.
كما أن أوروبا لما انتقلت من العصور الوسطى إلى عصور الحداثة ظهر بها ما يسمى بمحاكم التفتيش، والتي تعني طرد وإبادة أي شخص لا يعتنق النصرانية ، فتم إبادة اليهود والمسلمين ، ويتم إصدار هذه الأحكام بالإعدام من البابا شخصياً، فأوروبا على مدار تاريخها لم تتقبل أي جنس أو دين آخر.
وهناك عدة أسباب لظهور الدول القومية في أوروبا عقب العصور الوسطى ، وهو ظهور عصر الإقطاع الذى انتهى باستيراد أوروبا "المدفع" من المسلمين، وتحديداً من الدولة الإسلامية، حيث أن هذه الاقطاعيات لا يمكن للملك الرئيسي للدولة السيطرة عليها، فكان يسترضي مالك الإقطاعية بأى طريقة مقابل ، أن يقدم جنود للقتال، ومن هنا ظهر ما يعرف بالقوميات.
وأول هذه الدول هي بريطانيا وفرنسا ، وألمانيا التي كانت مكونة من 300 دولة حتى 1870 ، وحينذاك تم تسمية الملك بالمستشار لإرضاء الجميع وحتى لا يشعرون أنه ذو نفوذ عليهم، وتم العمل بهذا الاسم حتى يومنا هذا .
وقد تتفاجأ عزيز ي القارئ عندما أوكد لك أن السبب الرئيس في الكشوف العلمية والجغرافية ، التي قامت بها أوروبا ، كان هدفها استعماري بحت ، على سبيل المثال الرحالة الفرنسي " ألفونسو دي ألبوكيرك" والذي خرج بحملة بأوامر من ملك البرتغال ، نحو الهند عام 1509 ميلادياً ، وأرسل رسالة للملك جاء فيها : " إنه كان يحاصر المسلمين في المساجد ويطلق عليهم النار بداخلها"، وهو ما اثبته المؤرخ الهندي مادهو بانيكار في كتابه الشهير :" آسيا والسيطرة الغربية" في صفحة 46 ، وموجود أيضاً في كتاب الكاتب المصري الشهير شوقي أمين عثمان، والذي حمل عنوان :" تجارة المحيط الهندي" في صفحة 188.
وكان يريد "ألبوكيرك" نقل جثمان النبي من المدينة إلى الفاتيكان عبر عدة حملات تستهدف محاصرة الجزيرة العربية والسيطرة عليها واحتلالها ، والدليل على ذلك وجود قلاع برتغالية في قطر و عمان، حيث تتم السيطرة عبر وضع الكماشة في إرسال أساطيل من البحر الأحمر والخليج العربي، وغزو مكة والمدينة، لكن المسلمين وجهوا ضربات استباقية وتمكنوا من غلق البحر الأحمر في وجههم لتفويت الفرصة عليهم.
كما أن "ماجلان" عندما وصل إلى الفلبين قال مقولته الشهيرة الآن استطعنا ربطنا العقدة حول رقبة المسلمين من خلال محاصرتهم من الشرق والغرب لإبادة الإسلام، أما "كولومبوس" فأكد أن الهدف من الاكتشافات الجغرافية هو من أجل اكتشاف مدن جديدة وضمها للتاج الاسباني، ويدخل شعوبها للدين المسيحي، لتكون حرب حياة أو موت ضد المسلمين.
وقد تندهش عزيزي القارئ ، عندم تجد أن "لينكولن" الزعيم الأمريكي الشهير قد قرر تحرير العبيد من أجل اجبارهم على العمل في المصانع عندما حدثت الثورة الصناعية الكبرى في الولايات المتحدة في الشمال، أما بالنسبة للجنوب والتي كان معظمها من الزراعيين الأمريكيين فقد رفضوا هذا القرار، مما أدى إلى اندلع الحرب الأهلية.
وعلى الرغم من انتهاء الحرب، إلا أن العنصرية لم تنتهي فقد كانت هناك تفرقة عنصرية من خلال تخصيص أماكن محددة لأصحاب البشرة السمراء، فكانت هناك سينما للبيض وسينما للسود، حتى لما تجرأ الزعيم "مارتن لوثر كينج" وقال إني أحلم قد تم اغتياله.
من هنا فإن المشاكل الاجتماعية لدى الغرب لا تحل بالقرارات السياسية وإنما تحل بطرق أخرى، وتمكنت الدولة الإسلامية من وضع حل لهذه الإشكالية من خلال إزالة الحاجز النفسي والالتزام بقيمة " التواضع" التي تجعل صاحب المنزل يعطف على خادمه.
أما بالنسبة لفلاسفة الغرب فإن الصدمة فيهم أكبر، حيث أن الكثيرين من العرب كان يعتقد فيهم الإنصاف ، لكن الحقيقة غير ذلك، ومنهم مغمورون كانوا ينطقون الحق ولم يضرهم ذلك.
ولعل من أشهر هذه الأسماء "فولتير" المعروف بعدم مبالاته بالأديان والذي ألف مسرحية هزلية عن الرسول ويهديها للبابا، كما أن "فيكتور هوجو" صاحب كتاب "البؤساء"، قال عندما ارتكبت فرنسا مذابحها في الجزائر عندما غازتها في عام 1830 ، قال علنية :" فلندمر الأمة الملعونة .. أمة القرآن "، والغريب أن "هوجو" ملقب بـ"كاتب الإنسانية".
وفي الختام فإن الوقائع التاريخية أثبتت أن الغرب كان يطلق مصطلحات رنانة بخصوص حقوق الإنسان وهو لا يعلم عنها شيء لا من قريب أو من بعيد، وأن ما فعله من خلال حمل هذه الشعارات هو خداع بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والدليل هي مواقفهم المتخاذلة من القضايا العادلة وخاصة تلك التي تمس الأمة العربية والإسلامية.
عبدالعزيز بن منيف بن رازن.