- فرض علي هذا العنوان أعلاه؛ الممارسات التي عشتها وعرفتها عن قرب، ويعرفها واكتوى بنارها كثير من رواد بعض الأسواق الرئيسية، وبعض المطارات، التي تدير مواقفها شركات استثمارية يبدو أنها لا تكتفي بغرامات مخالفات الوقوف الخاطيء للسيارات، وإنما هي تتربص ليل نهار بمن يرتكب أقل مخالفة؛ لكي ترفع سيارته، وتسحبها إلى مواقف حجز بعيدة، ثم تفرض عليها غرامة وقوف خاطيء 300 ريال، وأجرة نقل ونش بنصفها أو أكثر..!
- مثّل تنظيم المواقف حول الأسواق وفي المطارات؛ خطوة جيدة فرحنا بها كثيرًا، وكانت رسوم الوقوف والانتظار مقبولة إلى حد ما، أما مخالفة التعليمات في الوقوف والانتظار؛ فهذا أمر لا يقبل به عاقل. ويرحب الكل بتطبيق النظام ولكن.. لماذا لا يُكتفى بتسجيل المخالفة الكترونيًا كما يجري مع ساهر، فلا تفرض غرامة ثانية، ولا تتعرض السيارة للسحب والتلف، ولا يُروَّع من هو بداخلها من نساء أو أطفال..؟ ألا يكفي الناس رعبًا؛ منظر وقوف ونشأت الشركة في زوايا ومنحنيات التربص؛ وهي تراقب لكي تنقض على من وقف بإحدى العجلات على الخط الأبيض..؟! أو وقف بدون دفع لجهله بالنظام، أو جهله باستخدام الجهاز..؟ وحتى أن بعضهم يأتي وسيارته يجري رفعها؛ فلا يستطيع أخذها إلا من الحجز بعد دفع غرامتين، وكأن دخل أصحاب الونشات هو بهذه الطريقة البشعة، أو لهم نسبة مئوية من ذلك.
- هذه صورة من صور شركات نزلت السوق في إطار خصخصة الخدمات العامة. وظن الناس بها خيرًا؛ فإذا هي تستغل أغلاطهم ومخالفاتهم، وتتربص بهفواتهم وكأنها تستثمر في هذا. مثلها مثل أخرى رأينا كيف أربكت السوق التجاري، ودفعت صغار المستثمرين للخروج منه تحت طائلة الرسوم الباهظة، والغرامات الفادحة، التي هي في خانات عشرات الألوف، وأصبحت المحلات وجهة تفتيش وتغريم من أطراف عدة، وليس طرفا واحدا، وفقد عشرات الألوف- وربما مئات الألوف من الشباب السعودي- فرصهم الوظيفية، وليس العمالة الوافدة وحدها، فما هو موقف الجهات المعنية بالتوظيف والسعودة إذن..؟ وهي ترى أنظمة تُطبق بسوء فهم من قبل شركات توظّف القليل من السعوديين، وتغريهم بنسب مئوية مما يتحصلون عليه من وراء غرامات بعضها فوق بعض، فيما هناك في المقابل؛ يجري تسريح عشرات الألوف من وظائفهم من المحلات الصغيرة والمتوسطة، بعد مغادرتها للسوق تحت طائلة الديون، وصعوبة التعاطي والتعامل مع زوار الليل والنهار بدفاتر الغرامات.
- نفهم جيدًا؛ أن كل ما يصدر من تنظيمات تخص السوق التجاري وتقديم الخدمات البلدية والزراعية وغيرها؛ أمر جيد وفي غاية الأهمية، ولكن لا يوجد نظام مقدس لا يقبل المراجعة والتدقيق من وقت لآخر، وأن يستبدل بما هو أفضل منه، أو تخفف إجراءات الجزاءات؛ بحيث تصبح مفهومة ومقبولة ومقدور عليها، لأن هذه الأنظمة؛ إنما تستهدف مصلحة المواطنين، وتحقيق الخدمة الأفضل لهم في مدنهم وقراهم وبواديهم، ولم توضع لعقاب الناس وملاحقتهم وإلحاق الأذى بهم. إذا كان شعار السجون: (تقويم وإصلاح)، فإنه من باب أولى؛ أن تكون متابعة تطبيق أنظمة الأعمال التجارية والخدمية والزراعية والرعوية وغيرها، في إطار فهم إنساني، بحيث تكون لإصلاح المعوج منها بالحسنى والنصح والإرشاد والإنذار اللطيف مبكرًا قبل التنفيذ، وأن تكون الغرامات مناسبة للحال في حركة السوق - كثير من القرى الحضرية التي تعتمد في سابق عهدها على الزراعة والرعي؛ وصلتها لجان لحصر الآبار وعدّ الأغنام والإبل بهدف وضع عدادات السحب المائي، وفرض رسوم على الأغنام والإبل. هذا كما فهم الناس الذين صابهم الذعر، فعمد الكثير منهم إلى هجر آباره ومزارعه المشتركة في الأصل بين أكثر من مالك، ومنهم من تخلص من غنمه وإبله، حتى لا يعرض نفسه للمسائلة والملاحقة، وحتى لا تصبح حزمة حطب يابس من شعب في جبل؛ موجبة لغرامة عشرة آلاف ريال لا يملك الواحد منهم عُشرها.
- إن مما يبعث على التفاؤل في إيجاد حلول سريعة لهذا المعضل الذي تسببت فيه شركات الخدمات مع السوق ومع المستفيدين من المواطنين من خدمات تقوم عليها عدة أطراف؛ أن (أمانة المدينة المنورة أعلنت أنها سوف تنفذ آلية جديدة للرقابة، ترتكز على تمكين الامتثال للأنظمة، وليس إصدار المخالفات، ذلك أن الهدف هو تحقيق اشتراطات الأنظمة، والوفاء بمعاييرها وليس اصطياد المخالفين وتحصيل الغرامات..) خالد السليمان.. عكاظ 23 نوفمبر 2021م. وكذلك ما نشر مؤخرًا؛ من أن مجلس الشورى؛ يدرس بين حين وآخر؛ ما يتردد من شكوى الناس المتضررين من فداحة الرسوم والغرامات، ومن - وحتى لا نفقد المزيد من فرص التوظيف في السوق التجارية؛ ونفقد مربي المواشي في القرى والبوادي، ونفقد مزارعي العنب والرمان والخضار في مزارع القرى العتيقة حول المدن.. لا بد أن نعيد النظر - من المؤكد؛ أن فهم الناس للأنظمة واحترامهم لها؛ يرتقي بالمعاملة الحسنة، وأن ما يصدر عنهم من مخالفات؛ لن يدوم، إذا شعروا أنهم لا يُقرّعون ولا يُعاقبون، وإنما يُذكَّرون، ويُنبَّهون بين وقت وآخر. ثم إن آخر العلاج الكي.