اضافة لما تقوم به الأندية الأدبية في المنطقة العربية من جهود كبيرة لإبراز مكانة المشهد الثقافي محليا وإقليميا, وكذلك المساهمة في دفع الحراك الأدبي للمسار الشعري باتجاه مستويات تكون عندها القصيدة العربية أكثر غزارة من حيث معدل الانتاج الشعري للشعراء, وأعلى جودة واتقانا من حيث المستوى الفني للقصيدة العربية للوصول بها الى أفق يسمح بأن يكون الشعر قادرا على النهوض مجدّدا بمهام المحافظة على التراث العربي من ناحية والتأكيد على المفاهيم الدينية والثقافية التي أفرزت لنا عبر الزمن تلك الشمائل والصفات النبيلة والأخلاق الحميدة التي يتحلّى بها الانسان العربي باعتبار أن الشعر يحظى باحترام وقبول أفراد المجتمع العربي كما أوضحت ذلك في مقال سابق بعنوان " دور الشعر في ابراز مفاهيم دينية وثقافية".
و لأجل تعزيز دور الشعر في حياة الناس, فإننا قد نحتاج للتأمّل والتفكّر من خلال العودة الى زمن العصر الذهبي للقصيدة العربية عندما كان الشعراء يجتمعون في سوق عكاظ و سوق ذي المجاز لعرض انتاجهم من الشعر, والتنافس فيما بينهم بإلقاء أعذب القصائد العربية وأكثرها ابداعا لغويا و فنيا حتى باتت تلك الملتقيات والمنتديات رمزا للفصاحة والبلاغة, و الهاما لشعراء الأجيال التالية, ومرجعا مهمّا للدراسات الأدبية عبر التاريخ.
من هذه المعطيات الأدبية المختصرة, وبعيدا عن جهود اقامة المسابقات والأمسيات الشعرية التقليدية التي لم تقدّم لنا حتى الآن شاعرا واحدا أو شاعرة واحدة بمستوى نظرائهم من الشعراء في العصر الجاهلي وعصر صدر الاسلام وما تلاه من عهود, ولأجل محاكاة واقع الحياة الأدبية في تلك الحقبة الزمنية أملا بإثراء الحراك الشعري اليوم , وتوثيق الصلة باللغة العربية الفصحى, لغة البيان والقرآن, واكتشاف مجموعة من الشعراء الذين تتوفر لديهم نفس قدرات أبو الطيب المتنبي و لبيد بن ربيعة وغيرهم من شعراء المعلّقات اضافة الى اكتشاف شاعرات لديهنّ قدرات ابداعية بيانية كتلك التي تميّزت بها أم الأغر بنت ربيعة والخنساء " تماضر بنت عمرو بن الحارث السّلمية", وصفية الشيبانية وغيرهن.., لأجل ذلك أتساءل حول ما اذ يكون بمقدور الأندية الأدبية والجهات المعنية بالشأن الثقافي أن تتّجه لإحياء واستنساخ نشاط الاجتماعات الشعرية قديما من حيث طبيعة المكان ونمط حياة العرب الاجتماعية في العصور المنصرمة سواء ما يتعلق بثقافة اللّباس عند العرب وطريقة القاء القصائد ونبرة الصوت الجهوري وما الى ذلك من خصائص اللباس والأداء اللفظي عند الشعراء, وأصول استقبال واكرام الضيوف.
ولمحاكاة واقع الزمن القديم واحياء موروث الفعاليات الأدبية العربية, فحبّذا لو يتم اطلاق ملتقى أدبي للشعر يتضمّن دعوة الشعراء وجمهور الشعر العربي للمشاركة وحضور منافسات شعرية تقام على تخوم القرى والواحات وعلى جنبات الكثبان الرملية حيث يمكن نصب الخيام هناك بالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص و هواة الرحلات البرّية لإعداد وتجهيز و تزويد المخيّمات بكل متطلبات المشاركة والحضور لهذا الملتقى الثقافي اضافة الى قيام الجهات المنظّمة بتخصيص مجموعة من الخيم للشاعرات منعا للاختلاط بالشعراء الذكور, وأن يقوم المنظّمون بتوزيع بطاقة "خنساء" لكل شاعرة مشاركة, وتوفير دائرة تلفزيونية مغلقة لنقل المشاركات الشعرية للمتنافسات في الملتقى.
ومن أجل محاكاة البيئة العربية وطريقة الحياة السائدة آنذاك, فانه ينبغي استبعاد جميع وسائل النقل الحديثة من الوصول الى المخيّمات, و أن يتم نقل أعضاء لجنة التحكيم والشعراء والضيوف وفريق الاسعاف الطبي بواسطة قافلة من الابل العربية الأصيلة لتنطلق من ضواحي المدن والقرى المأهولة, مرورا بالرّمال والهضاب والشعاب والواحات, وحتى وصولها الى مقر الملتقى حيث تقام الفعاليات الأدبية والأمسيات الشعرية.
وفي ختام فعاليات الملتقى وبعد اعلان النتائج للفائزين يمكن لأعضاء اللجنة الدينية ابرام عقود زواج بين الحاصلين على المراكز العشرة الأولى من الشعراء الذكور والإناث, وذلك بهدف انتاج سلالة جديدة لجيل قادم من الشعراء المميّزين بخصائص جينية وراثية معينة, والقادرين على اخراج القصيدة العربية واتقانها بنفس المستوى الذي تميّزت به قصائد الآباء والأجداد و صارت فيما بعد أمثالا و حكما مأثورة كما أوضحت ذلك في مقال سابق بعنوان " أبيات شعرية صارت أمثالا وحكما مأثورة".
ومن تلك الأبيات التي تميّزت وبقيت في ذاكرة الناس قول الامام الشافعي:
نعيب زماننــــا والعيب فينـا ** وما لزمـاننــــا عيبٌ سـوانا
وقد نهجو الزّمان بغيرِ جرمٍ ** ولو نطق الزمانُ بنا هجانا
و ممّا قاله المتنبي:
أنا الّذي نظر الأعمى الى أدبي ** و أسمعت كلماتي من به صَمَمُ
كما نتذكر بيت الشعر المميّز لأبي الأسود الدؤلي:
لا تنه عن خلـقٍ وتأتي مثله ** عارٌ عليك اذا فعلت عظيـمُ
و لا نزال نتذكر البيت المشهور لحافظ ابراهيم:
الأم مدرسة اذا أعددتـها ** أعددت شعبــا طيب الأعــراق
وعن الأم أقول:
ليس كمثــل الأمّ في التــعليم مدرسـةٌ ** تعطـيك من فيـض المـشاعرِ والقيـم
فلا تكن عن مبدأ الاحسانِ للأمّ غافلاً ** لئلاّ يغضب الرحمنُ من فعلك الاثم