الشعب اللبناني وحده من يعود للوراء بخطى ثابتة نحو ذاكرة الحرب الأهلية التي جردت لبنان من سيادته وجعلت منه ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية ولإثبات الذات الطائفية والمذهبية معارك سنوات تقاطعت فيها الأهداف والمصالح وتناقضت بين أطراف الحرب الخاسرين أمام السلم الأهلي كحل وحيد ينهي زمناً من سلطة القوة والبطش والصراع الطائفي على الحياة اللبنانية ويعيد للبنان حق سيادته على أرضه ولك كان سلماً لم يسلم من الإضطرابات السياسية والإقتصادية والأمنية حتى كارثة المرفأ في 2020 والتي هزت العالم بأسره والتي سقطت معها بيروت وسقطت المنظومة الفاسدة وسقط معها سلاح الطائفة والمذهب وراحت تستعيد ذكرى الحرب والتهجير والقتل على الهوية تستعيد شيئاً من الإنقسام الشعبي والتفكك السياسي وغياب الدولة والقانون وإحلال سلطة الميليشيات والمافيات بقوة السلاح والترهيب والفرز الديموغرافي القسري لتفرض على الشارع معركة أنا ومن بعدي الطوفان معركة لاوجود طبيعي لها سوى في لبنان ومن يسير على خطاها في المنطقة تلك الدول التي تسير عكس حركة التقدم والتطور ويلفظها الحاضر والماضي والمستقبل وترفض قراءة شيء من تاريخها الدموي وتسعى بكل قوتها لإعادته كما هو وتعلم يقيناً أن التاريخ نفسه لم يسجل إنتصاراً لطرفٍ على طرف بل كانت الفاتورة باهظة على الجميع لأن العنف لم يكن يوماً مرتبطاً بالإنتصار على قدر ارتباطه بالهزيمة والدمار وهو ماكان واقعاً مؤلماً وظاهراً للشعب اللبناني قبل العالم طوال سنوات الإنعاش إن لغة السلاح التي يخاطب بها حسن نصر الله سمير جعجع هذه الأيام تصر على فرض واقع من الصراع الطائفي الخطير يحمل لبنان فوق أعبائها الكثير ويستحيل معها الحياة في لبنان وإنقاذه من معاناته السياسية والإقتصادية والبيئية فالأزمات المستحدثة من قبل هذه الطغمة الفاسدة لن تكون حلاً أبداً للأزمات السابقة والقتال لن يكون حلاً للصراعات والخلافات السياسية والتهديد والوعيد ليس حلاً بل هو مجرد بلطجة سياسية تلغي مفهوم دولة القانون وتؤكد على دولة العصابات المسلحة وسلطة زعماء الطوائف والتي لاتقوم إلا على شد العصب الطائفي والمذهبي ولاتعتاش إلا على الفساد والإفساد وفرض لغة القوة والسلاح لالغة الحوار والتفاهم لبنان الآن على مفترق طرق والأعين الدولية تراقب عمل الحكومة الحالية ووعودها في الخروج من الأزمة الأخيرة في مايخص التحقيق الجاري بشأن انفجار المرفأ ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة وتعويض المتضررين واستقلالية العمل القضائي وحماية القاضي طارق بيطار المكلف بالتحقيق في الإنفجار الأخير يقف البيطار بشجاعة وثبات بإسم الشعب اللبناني لمواصلة سير التحقيقات رغم كل التهديدات والإتهامات وحملات التشويه التي تطاله من قبل المسؤولين الرئيسيين عن الكارثة في محاولة فاشلة لعرقلة التحقيق وإيقافه !
مايمر به لبنان الآن تعد نقطة فاصلة في حياة كل اللبنانيين إما الإصرار على دولة القانون والمؤسسات واستقلال القضاء والحفاظ على هيبة المؤسسة العسكرية وتوسيع صلاحياتها لتأمين الدولة والإصطفاف الشعبي حول الحقيقة وإما الرضوخ لمزاجية المنظومة الفاسدة التي أوصلت لبنان إلى الهاوية من أجل تأبيد وجودها في السلطة واستمرارها بزج لبنان خارج حدود الزمان والمكان والإبقاء على الصورة اللبنانية ضعيفة ومهترئة وغير صالحة للحياة ...