يبدو أن الانسحاب من أفغانستان سوف يصيب أمريكا وحلف الناتو كما أصاب من قبل الإتحاد السوفييتي وحلف وارسو (التفكك والإنهيار) , قامت أستراليا بإلغاء صفقة شراء الغواصات التقليدية من فرنسا واستبدالها بالغواصات الأمريكية التي تعمل بالطاقة النووية , فجن جنون فرنسا وصدرت العديد من التصريحات النارية عن العديد من المسؤولين الفرنسيين , والتي لا تمت إلى اللغة الدبلوماسية بأي صلة على وزن : طعنة في الظهر , الخيانة , المرارة , الغضب , وحشية ... ) , بل وقامت فرنسا باستدعاء سفرائها في كل من أمريكا واستراليا . اعتقد أن سبب الغضب الفرنسي لا يعود إلى إلغاء الصفقة وخسارة عشرات المليارات من الدولارات , فهناك العديد من المحاكم الدولية التي يمكنها ان تبث في الخلافات التي تنشب بين الدول وفق القانون الدولي , ولكن ما آثار غضب فرنسا بشكل خاص وحلف الناتو ودول الجوار الصيني بشكل عام , هو قيام الولايات المتحدة الأمريكية بعقد تحالف ثلاثي يتكون من أمريكا , بريطانيا , أستراليا (أنجلوسكسوني) تحت مسمى شراكة إستراتيجية . طبعا تم ذلك بعيدا عن حلف الناتو ودول الجوار الصيني مثل اليابان , كوريا الجنوبية , الفلبين ,تايون . تايلند ...) , واعتقد بأن هذه رسالة واضحة من أمريكا للحلفاء بأن أمريكا لم يعد أمن أوروبا يعنيها وأن على الجميع أن يدافع عن نفسه , طبعا هذا ناتج عن الهزيمة في أفغانستان وما ترتب على ذلك من إستزاف لثروتها وإنهاك لجيل من شبابها في حرب عبثية استمرت لعقدين من الزمان وما ترتب على ذلك من انحسار للهيمنة الأمريكية , وقد رأينا ذلك بوضوح من إنسحاب أمريكا من الشرق الأوسط , وهذه تسمى مرحلة التقوقع التي تمر بها أي حضارة قبل الإنهيار التام (أرنولد توينبي) . لقد وصلت الرسالة إلى أوروبا وهي الآن في مرحلة تأسيس جيش أوروبي كرديف عفوا (بديل) عن حلف الناتو , طبعا هذا الجيش لن يكون من االسهولة بمكان تأسيسه نتيجة الخلافات التاريخية والعرقية والدينية واللغة والثقافة بين الدول الأعضاء , بقي أن نقول بأن الحلف الأنجلوسكسوني الأخير هو في حقيقته حلف دفاعي وليس الهدف منه مواجهة الصين , فمن يريد أن يواجه الصين فمن الأمور البديهية أن يشرك أكبر عدد ممكن من الدول في الحلف حتى الدول الفاشلة (النطيحة والمتردية) . الولايات المتحدة الأمريكية لن تخوض حرب مدمرة ضد الصين بالوكالة عن العالم , بل ستحاول أن تصل إلى تسوية مع التنين الصيني بحيث يركز أطماعه في مكان آخر , مثل الشرق الأوسط وحتى أوروبا بحيث تستنزف قواه العسكرية (فائض القوة) .