إن المال للأسف اليوم هو صاحب السلطان في هذه الحياة ، وقد كانت مصيبة الزواج في اثنتين : أولهما : ( الدوطة ). وثانيهما : ( المهور ) ، أما أولاهما فكلفت الفتاة شططاً، إذ ألزمتها بالسعي، إذا لم يترك لها أهلها ما تستعين به على أداء هذه (الدوطة)، وكان هذا السعي مجلبة لشقائها. وفي طريقها هذا انتقصت عفتها، انتقاصاً أشعر الناس بخبث نفسها، وفساد طويتها.
كما كانت المهور عقبة في طريق طلاب الزواج، إذ بالغ أهل الفتيات فيها، وكلفوا الشباب كثيراً جداً، وأرهقوهم، فكان ذلك سبباً إلى نفور الشباب من الزواج. أضف إلى هذا السبب سبباً آخر، ذلك ان المرأة قد نقضت سنن حياتها، وأضاعت حياءها، فأصبحت سلعة تباع في الأسواق يقدرها من شاء بما شاء، وسهل الحصول عليها، فتهدم بناء الحب من جهة، ولم يعد بالرجل من حاجة إلى الحصول على المرأة، فتقيم معه في بيته، ويسعى من أجلها، ومن أجل أولادها، وتقل شرور الناس جميعاً.
ولشيء في نفس الرجل والمرأة، كان أمر الشهود والعقود، حتى لا يجد الرجل، ولا تجد المرأة، مناصاً من البقاء في حظيرة الزواج، وإلا كان أمرهما غير ما نراه من رباط هو حقيقته قسري، وما هذه العقود والشهود إلا دليل على أن في طبيعة الإنسان ما لا يغريه بالزواج، وإنها إنما هي العائلة التي أقامت وزناً للزواج، بحيث إذا انهدم ركن العائلة، وأضاعتها الفوضى الاجتماعية الحالية، جر هذا الضياع إلى ضياع الزواج نفسه، وتفكك أوصاله، وقد تقوم عقود مدنية بدل عقود، وهذه ضربة على الاجتماع، إذ جعل الزواج في حد مدة معينة، وجعله يقوم بشرائط مدنية بحته، فتعمل المرأة إذن على أن لا يكون ثمة نسل، وهذه حال قائم اليوم، فينقرض الجنس: إذ المرأة متأكدة أنها لابد تاركة هذا الرجل يوماً ما، ويكون هذا بسبيل إلى إسرافات لا تحتملها الجماعات، وتكون أيضاً بسبيل إلى هدم قوى، يحتاجه العالم، في تقويم شؤونه.
هذا هو الخطر المحدق بالعالم من جراء الزواج المدنى، والزواج المدنى أقل خطراً على الجماعة الإنسانية، من الحال التي أصبحت فيها المرأة اليوم، فقد جرت المادة على المرأة حالاً أصبحت بها وانحطت كل الانحطاط. وكانت الحال في ذاتها مهلكة لكل من المرأة، والاجتماع، إذ كان للمرأة في عصر من العصور، بل قل إلى عصر قريب، مجداً، فانزلقت هي بتبذلها من قمة هذا المجد أما وقد أصبح الاجتماع، والإباحية تمسكه من كل ناحية: فقد حاق به التلف، على ان الاجتماع لا يستطيع ان يستبقي هذه الحال، بل لابد انه مغيرها، وها أنت ترى النفوس تتقزز، ويفكر القوم في كل ناحية من ناحيات العالم في القضاء عليها القضاء المبرم، والواجب أمام هذه الحال العمل على إنقاذ المجتمع الإنساني من الدمار.
وقد لا تجدى النصيحة، ولكن الحكومات الرشيدة أقامت حدوداً لدفع هذا الشر، فيسرت أمور الزواج على كل من الرجل والمرأة، وأقامت له سنناً قيمة، وهذا طبعاً، يدل على الشعور بالحال، والرغبة في الخروج منها. وطبعي أن ستسرى عدوى هذا الإصلاح عند كل الأمم، وبذا ينجو الاجتماع من مخالب هذا التدهور المروع.