التَّربيةُ مسؤوليةٌ عُظْمى، وأمانةٌ باهِظةُ التَّكالِيفِ
قال تعالى: ﴿وَقِفُوهُمۡۖ إِنَّهُم مَّسۡـُٔولُونَ﴾ [الصافات ٢٤] جاءَ في تفسيرِها احبِسوهمْ عن الصِّراط إنّهم مسؤولون عَنْ جَمِيعِ أقْوالهمْ وأَفْعالهمْ.
وهي أي: التربيةُ مفهومٌ مهمٌّ، مرتبطٌ في حياتنا بشكلِ متكرِّرٌ، لا ينفكُّ منه أبٌ أو أُمٌّ أو تربويٌّ هذا مجالُه ومدرَجُه، ودائماً ما يَضِجُّ الآباءُ والأمهاتُ بالشكوى من تربيةِ الأبناءِ، وذاك أمرٌ طبيعيٌ لايُنكَرُ عَلَيْهِمْ، ولكنَّ الذي يأتي النكيرُ عليه أن لا يَبْحَثَ هؤلاءِ الآباءُ وأولئكَ الأُمّهاتُ عنْ طَريقةٍ ناجعةٍ للتربيةِ أو أُسلوبٍ مُفيدٍ يُعِينُهمْ على هذا الأمرِ، الشيءُ الذي يُجيدونه هو التذمُّرَ وسفكَ الدموعِ والمبالغةَ فِي الشَّكْوى إنْ وُجِدَتْ!!
إنَّ المكتبةَ العربيةَ قدْ مُلِئتْ وأُتْرِعَتْ بالكتبِ التي تَتَحدَّثُ عن طُرُقِ التربيةِ، وأساليبِ المُرَبِّينَ، وسبلِ علاج هذه المشاكلِ التربويةِ، فلماذا لايبحثونَ عن هذه الكتب ويقرؤنها ويستفيدونَ من نظرياتِ التربية؟ وعن هذه التجاربِ الرائدةِ في إصلاحِ الأولادِ وتنشئتِهم على القيمِ الإسلاميةِ ومفاهيمِ الوعيِ؟
إنّ مراحلَ نموِ الطفلِ تَتَطلَّبُ وعْياً بها حتى لا تنقضي؛ وعندئذٍ يفوتُ زرعُ القيمِ في أذهان الناشِئة، ففترةُ الطفولةِ المبكِّرةِ التي تقعُ بين ثلاثِ سنواتٍ وسِتِّ سنواتٍ والتي تُسمّى على لِسان أحد الباحثين "مرحلةُ التساؤلِ" لأنَّ الطفلَ فيها يُكرِّرُ التساؤلاتِ ولا يتوقَّفُ عنها، يقولُ الدكتور عبدُالكريم بكّار: "إنّ بعض الدراساتِ دلَّتْ على أنّ مابين (١٠٪ إلى ١٥٪) من حديثِ الطفلِ في هذه المرحلةِ يكون عبارةً عن أسئلةٍ".
وهذه من أخطرِ المراحلِ؛ لأنّها كما يُقالُ تتشكلُ فيها شخصيةُ الإنسانِ طيلةَ حياتِه، فإذا ما رُكِزتْ فيها القناعاتُ سواءً الصائبةُ أو الخاطئةُ، فمن الصعبِ بمكانٍ أن تتزحزحَ بالإصلاحِ أو الإفسادِ وحسبُك بها أهمية!
وهنا يأتي دورُ الأمِّ في هَذا السِّنِّ وهو الدورُ المحوريُّ في عمليةِ التنشئةِ وهي المَحْضِن التربويُّ الأولُ الذي فيه تُغرَسُ الفضائلُ وتُنَمَّى المبادئُ، بِحُكم لصوقها بالطفل وقربِها منه، فالأُمِّ الواعيةُ المُدْرِكةُ لرسالتِها التربويةِ تكونُ نواةً صالحةً للمجتمعِ، ورافعةً للأخلاق الحميدة، وهذا ينعكسُ على البيئة فتتحول البيئةُ إلى مَحْضِنٍ تربويٍّ إيمانيٍّ كبيرٍ تتوالدُ فيه القُدواتُ الصالحةُ، ويكونُ مرفأَ أمانٍ تتهادى على جنباتِه سُفُنُ النجاة من السُّموم الأخلاقية والانحطاط الفكري، والانبتات من سياقات الثقافة الإسلامية.
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا
بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى
شَغَلَتْ مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
يسئلُ الكثيرُ عن الكيفيةِ التي يَكْتسِبُ بها معرفةَ التربية والجوابُ عن هذا في مُكْنَةِ مَنْ أرادها وسعى لها سعيها
فها هي كُتُبُ التربية سيَّما تلك التي تعتني بالجانب الإيمانيِّ والثقافيِّ؛ متوافرةٌ على رفوفِ المكتباتِ ومصاطب دُورِ النشرِ، وأجِدُني هنا أُشيرُ إلى سلسلة عبدالكريم بكار في التربية وهي مجموعة تُعنى بجميع الفئات العمرية بأسلوب يحوي سلاسةً وعمقاً ودِراية ومَلَكة راسِخة في تكوين الوعي التربوي.