عندما تسقط القيم الانسانية وينهار برج الأخلاق الحميدة, فان شبح الشهرة الفاضحة قد يبدأ سريعا في التشكل والتسلل الى ضعاف العقول بما يشبه تسلل الفكرة المتسلطة التي تراود النفس وتحث العقل وتدفعه باتجاه اتخاذ قرار التمرّد على منظومة القيم والمبادئ الاجتماعية للخروج عن المسار المألوف والانحراف عن المجال المعروف وبالتالي اغراء المُتمرّد أو المُتمرّدة بالحصول على جرعة من أضواء الشهرة "المعيبة" عند المجتمعات الانسانية المحافظة التي أسّست كيانها الاجتماعي عبر قرون من الزمن على قاعدة راسخة من القيم الاجتماعية المرتبطة بجذور عميقة من المثل العليا والأخلاق النبيلة السامية.
تعود المشكلة بالنسبة لهذا النّوع من المتمرّدين على القيم الى وجود خلل في مركز التحكّم بمنظومة القيم عند الشخص مُتّخذ قرار التمرّد, المُغرّر به للتخلّص والتحرّر من تلك المنظومة الاجتماعية وما تحويه من القيم والمثل العليا التي يتوهّم المتمرّدون بأنها تقيّـد حركتهم في الوصول الى دائرة الضوء مما يسمح لهم بالظهور الفاضح أمام الملأ وكسب الشهرة على أنقاض القيم الاجتماعية.
ولذلك فان هذا النّوع من الأفراد – ان لم يخضع لبرنامج اصلاح اجتماعي مُبكّر- فقد يُسبّب الحرج الشديد للوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه هذا المُتمرّد أو المُتمرّدة منذ عقود من الزمن. وعموما فان محاولات الاصلاح قد تفشل في استعادة هذا المغرّد خارج السرب الى المجال التقليدي والفضاء المألوف اذا ما تأخرت جهود الانقاذ وانتشلت المُتمرّد قبل أن يغرق ويصل الى أعماق بحر من الأوهام والأحلام والأفكار المظلّلة التي قد تنجح في تفكيك واختراق منظومة القيم النبيلة.
وفي تقديري, وكما ذكرت في مقابل سابق بعنوان " الوسطية في حياة النّاس", فإننا قد نشهد حالات تمرّد مروّعة ان لم نسارع في وضع استراتيجية اجتماعية لاحتواء الباحثين عن هكذا شهرة قبل أن تسقط القيم لديهم وتتحول الى رُكام و رماد, فيصعب حينذاك ترميمها واعادة اعمارها.
وبما ان الفرد يُشكّل جزءا من الكل, فان المتوقع من مجتمعه أن يتحرّك لإصلاح الخلل الموجود في الجزء قبل أن يطال تأثيره أجزاء أخرى في المجتمع الكبير. كما أن المحافظة على سلامة النسيج الفكري لهذه القيم الاجتماعية تتطلّب من المجتمع تحصين حدود هذا الغلاف من أي مؤثّرات محتملة قد تهاجم فكر الانسان عبر وسائل عديدة تنطلق من ثقافات دأبت بعض عناصرها على اتخاذ الغزو الفكري وسيلة لمهاجمة نقاط الضعف في الثقافات الأخرى ذات العمق التاريخي لاسيما عند المجتمعات المحافظة.
وبما أن وسيلة البعض من الباحثين عن هكذا شهرة تكمن أولا في التحرّر من القيم الأصيلة من خلال التفكير في الهروب الى خارج مجال السياج الجغرافي, فقد يكون من المفيد أولا التفاوض مع الشخص الهارب لأجل اقناعه بالعودة الى حيث نشأت فكرة الهروب من الواقع على أن تُقدّم له أفكار بديلة يمكن من خلالها اعادته طوعيا الى مجال التمسّك بتلك القيم التي تم سرقتها منه على حين غرّة من وهج الشهرة الفاضحة.
وحتى لا نصل الى مرحلة يصعب معها اعادة المُنشق عن قيم المجتمع العامة, فالأفضل أن تتم مراقبة حركة فكر الأفراد ومعالجة أي مؤشّرات خلل ما في مسارها العام قبل أن تغادر مجال قبول العقل البقاء ضمن حدود النطاق الجغرافي والنطاق الفكري الذي يضمن سلامة الفرد من التعرّض لأي هجمة فكرية شرسة تهدّد استقرار العقول الضعيفة وغير الراجحة.
وكذلك, ولأجل استعادة العقل المضطرب الى مجال الفكر الجمعي, فانه من المهم التفاوض مع عناصر الثقافة التي اختطفت واحتضنت هذا العقل و وفّرت له ملاذا محرّضا على الانقلاب على منظومة قيم الضّحية المختطفة فكريا وذلك أملا بالتوصل الى صيغة توافقية تفضي في النهاية الى تفاهمات ثقافية ترتكز على مبدأ حق المجتمعات في استعادة عناصرها الضّالة وارجاعها الى موطنها الثقافي الأصلي من خلال احترام طرق التفكير التقليدية ومنظومة المبادئ الاجتماعية لكل مجتمع وحدود التعايش مع الآخر.
وعلى غرار ما قامت به منظمّات وهيئات دولية بفرض اجراءات احترازية لحماية المجتمعات من الاصابة بالفيروسات المُعدية, فإننا قد نحتاج أيضا – على الصعيد الثقافي – لمنظومة تدابير وقائية تكون قادرة على انتاج أجسام مضّادة تعزّز الولاء لتقاليد الوطن وترفع معدّل المناعة ضد الغزو الثقافي الخارجي, وتتصدّى في الوقت ذاته لأي محاولة هروب ثقافية عبر ثغرات في سياج الفكر الجمعي لتلك المنظومة الاجتماعية.
ومن المهم كذلك مراقبة الوالدين لأبنائهم لمعرفة مع من يتواصلون افتراضيا عبر وسائل وشبكات التواصل المختلفة, وتحذيرهم من مغبّة مجالسة ومحادثة غير الأسوياء من البشر.
احذر جليس السّوء ذاك المُعدي الخطِـــــــرُ *** فلرُبّما اصبحت يومــا مثله لا تستـحي
دع عنك من لا حياء فيه من ربّ ولا وجلُ *** فهو كمثل الوهن في الأبدان مستشري