روى ابن باجان في كتابه "تاريخ الإنس والجان " أن أحد الأمراء؛ رأى رؤيا أزعجته، وتكررت معه، فطلب مفسرًا، فلما قص عليه رؤياه، تغيير وجه المفسر، وحاول التهرب من تأويلها، لاحظ الأمير ذلك، فأصر عليه، قال المفسر " تأويل رؤياك، أنك ستشاهد جميع أهلك يموتون أمامك واحدًا تلو الآخر، حتى تبقى أنت وحيدًا "!! ضاق الأمير، وتكدر، فأمر بحبس المفسر، ثم طلب آخر فلما قص عليه الرؤيا، قال وهو في حالة صدمة، واندهاش فعنده خبر من قبله:" سيموت جميع أفراد أسرتك "!! هنا " قفلت " مع الأمير، وأمر بحبسه، ثم التفت إلى وزيره غاضبًا:" أحضر لي مفسرًا عارفًا، وإلا سيكون مصيرك السجن"!! رجع الوزير إلى قصره، مهمومًا، مشغول البال " يكلم الجدران"!! سمعته زوجته وهو يحدث نفسه، باستغراب سألته "أجننت يا رجل؟ ماذا بك؟ رد وهو يمد يده إلى حبة سفرجل في صحن أمامه" الأمير، الأمير "! صمت برهة، ثم أخذ قضمه وهو يفكر؛ هل الأمير جاد في سجنه لو لم يحضر المفسر العارف؟!! قطعت" هواجيسه " صرخت زجته " ماذا به؟! أخبرها عن رؤيا الأمير، وعن المفسرين الذين سجنهم، وعن طلب الأمير منه، وتهديده له، صمتت زوجته برهة، ثم صرخة، صرخة " أرخميديسية، وجدتُها !" تهلهل وجه الوزير "ماذا، ماذا ؟!" أردفت الزوجة الصالحة " بنت خالتي " تعرف مفسرًا ممتازًا !!" التفت اليها، وبنظرة صارمة " لا يكون من مفسري تيك توك؟!" ردت بثقة " لاااا، إنه فطنٌ، واثقٌ، لبقٌ، المعيًا، غير مستفز، ذكيًا في اختيار مفرداته، وعباراته، يلاعب الكلمات، لديه قدرةٌ على عرض أفكاره بشكل مرتب، يجيد التعامل مع المواقف المفاجأة، يراعي الآخرين، سريع البديهة، من الآخرِ يَصْلحُ أن يكون متحدثًا رسميًا"!! في الصباح انطلق الوزير، لمنزل المفسر، قطع طريقه وهو يردد داعيًا، راجيًا:
" يا خالق الخلق يا قاضي حوايجها
تفرج لعين الذي أغفت بسوهاجه "
فلما وصل، وقص عليه الخبر، رد المفسر بابتسامة الواثق " ازهليشن ؟!!" عقب الوزير "أمتأكد، الدعوى فيها سجن"!! هز المفسر رأسه، مبتسمًا، وهو يرتب على صدره:" أفا عليك، عندي وانا أبو هندي!!".
في مجلس الأمير، بادر المفسر بشموخ، وابتسامة الواثق:" مولاي لقد قص علي الوزير رؤياك، فابشر بخيرٍ، فإنك أطول أهلك عمرًا " هنا عدل الأمير جلسته:" أحقًا ما تقول؟!!" رد المفسر مبتسمًا:" هذا تأويل رؤياك يا مولاي " تهلهل وجه الأمير، وأشرق، ثم أمر له جائزة قيمة، مئة من خيرة مزايين إبله، وأن يكون نديمه، استغل الوزير الوضع؛ فأقترح أن يعينه ينعم عليه بأن يكون متحدثًا رسميًا. "واخد بالك سعاتَّك "!!
بقلم/ أحمد بن جزاء العوفي