أختم هذه المقالة بجزئها الثالث هذا؛ مع أن هناك الكثير مما ورد لأحرار لبنان في ماضيهم وحاضرهم عن المملكة العربية السعودية وشعبها ومؤسسها الأول (الملك عبد العزيز آل سعود) طيب الله ثراه. مجمل هذه الأقوال؛ فيه الرد الشافي على (شربل وهبة وحسن نصر الله) ومن شايعهما في لبنان. هذا البلد الجميل الذي مسخته الطائفية، وقزّمته التبعية.
* تأسفنا كثيرًا لما بدر من وزير يمثل حكومة لبنان، وينطق بلسان شعبها، حين ظن - وظنه السوء- أن البداوة التي نعتنا بها سُبّة، وهو بهذا الظن وهذه العقلية الفجّة؛ يترجم قول الشاعر الرصافي:
إذا ما الجهل خيّم في بلاد
رأيت أسودها مُسخت قرودا
* أما قولته تلك المتلفزة على الملأ؛ فقد عكست تلك الأخلاق التي تحكمت في لبنان المعاصر، فحولته من بلد عربي حر؛ إلى بلد تحكمه المليشيات الإيرانية، التي من أخلاقها: التخريب والقتل والتشريد، وهنا يصدق عليها قول أمير الشعراء أحمد شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
كما أن الحالة المزرية التي ظهر بها وزير يمثل دولة؛ فخير تمثيل لها هو قول الشاعر أحمد شوقي نفسه:
إذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتمًا وعويلا
* إن من أحرار لبنان ونبلائه الأوائل؛ أمير البيان: (شكيب أرسلان 1869 ديسمبر 1946)، ابن قرية الشويفات لبنان. كاتب وأديب ومفكر عربي شهير. عندما وصل إلى الحجاز في عهد (الملك عبد العزيز آل سعود)- رحمه الله- قال: (شعرت منذ وطئت بقدمي رصيف جُدة؛ أني عربي حر في بلاد عربية حرة. شعرت أني تملصت من حكم الأجنبي الثقيل الملقي بكلكله على جميع البلاد العربية - ويا للأسف- حاشا مملكتي الإمامين عبدالعزيز ابن سعود، ويحيى بن محمد حميد الدين. شعرت أني حر في بلادي وبين أبناء جلدتي، لا يتحكم في رقبتي (المسيو) فلان ولا المستر فلان. إني خاضع لحكومة عربية بحتة، رأسها وأعضاؤها مني وإليَّ، وأنا منها وإليها، وبعبارة أخرى؛ إني هنا خاضع لنفسي، وإن كل من أراه من رعاياها إنما هو خاضع لنفسه. شعرت أن رئيسي هنا هو ابن جلدتي الذي يغار عليَّ كما أغار على نفسي، وأن الجند الذي يحيط بي ويحفظ الأمن عليَّ وعلى غيري؛ هم ممن اجتمع وإياهم في أرومة واحدة. شعرت في الحجاز؛ أني تظللني راية عربية محضة حقيقية).
* ويصور شكيب أرسلان علاقة (الملك عبد العزيز) بثوار سورية عام 1925م فيقول: (ثم إنني بعد ذلك؛ اطلعت على بعض مراسلات سرية أكدت لي أن ابن سعود لا يفرط في حقوق العرب، وأنه باذل الجهد في تقليص النفوذ الأجنبي في الجزيرة). وقال أيضًا: (لولا أن قيّض الله عبدالعزيز بن سعود لصيانة الاستقلال العربي في قلب الجزيرة العربية؛ لكانت سيوف الأفرنج تعمل الآن في رقاب العرب).
* ثم إنه قدم للملك عبد العزيز كتابه: (الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف)، ومما قاله في إهدائه له: (أتوجه إلى الملك الهُمام، الذي هو غُرة في جبين الأيّام، تذكاراً لجميل الأمن الذي مدّ على هذه البلدان سرادقه، وعرفاناً لقدر العدل الذي وطّد فيه دعائمه، وناط بالإجراء وثائقه، وابتهاجاً بالملك العربي الصميم الذي صان للعروبة حقها، وللإسلام حقائقه، أدام الله تأييده، وأطلع في بروج الإقبال سعوده، وخلّد شمسه الشارقة، ووفّقه للاتفاق مع سائر العرب وأمرائها، والعمل مع رجالاتها العاملين لرقيّها وإعلائها، أدام الله توفيقهم لحفظ تراث الأمة العربية، وإبلاغها المقام الذي تسمو إليه نفوس العرب الأبيّة، وحياطتها بوحدة الكلمة، من سنوات الغدر، وغوائل المكر التي لا تفارق حركات الدول الأجنبية، وجدت فيه الملك الأشمّ الأصيل، الذي تلوح سِيماءُ البطولة على وجهه، والعاهل الصنديد الأنجد، الذي كأنما قد ثوّب (فُصِل) استقلالُ العرب الحقيقي على قدّه، فحمدت الله على أن عيني رأت فوق ما أذني سمعت، وتفاءلت خيراً بمستقبل هذه الأمة).
* أما الشاعر اللبناني الكبير: (بولس سلامة 1902 م 1979م)؛ المولود في: (بتدين اللقش- أو بيت الدين في قضاء جزين جنوب لبنان)؛ فإن مما قال في ملحمته الشهيرة (عيد الرياض)؛ التي ناهز عدد أبياتها ثمانية آلاف بيت؛ قال:
كانوا قبائل أشتاتًا مسيّبة
فرائس الحرّ والأوباء والسغب
الجهل قائدهم، والنهب رائدهم
فكل همهم في القتل والسلب
كأنما قيمة الإنسان عندهم
كبش من الضأن أو رحل من الخشب
نامت عزائمهم عن كل مكرمة
إلا عن الغزو خلف البازل الجرب
الراحلون فلا دين ولا وطن
الراقدون على رث من الأهب
أوطانهم في ظهور النوق ظاعنة
كأنما خُلقوا للحلب والطنب
فأقسم (ابن سعود) أن ينزلهم
في خفض عيش على زاك من الترب
* هذا وذاك مما تقدم في الجزأين الأول والثاني من هذا المقال؛ قليل من كثير مما نعرفه عن أصلاء ونبلاء لبنان، ومما يعرفونه هم عنا، ويشهدون به في أدبياتهم التاريخية والشعرية قديمًا وحديثًا، أما النكرات من أصحاب النعرات المأجورين في لبنان وفي غيره من البلدان، فلا شرف لنا في معرفتهم أو التعاطي معهم. نحن بدو الجزيرة العربية؛ التي أنجبت نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، فرعى فيها الغنم، وأنجبت عبدالعزيز آل سعود؛ الذي وضعها دُرة حرة أبية على سلم المجد، بين أرقى أمم الأرض حضارة. نحن بدو ونفخر بذلك.